من السلم حتى قصر الرئاسة.. حكاية الكاميرا الخفية لإبراهيم نصر
جاءت فكرة «الكاميرا الخفية» عن طريق الصدفة البحتة، حيث كان إبراهيم نصر يسير بجانب مبنى الإذاعة والتلفزيون، لاستخراج بعض الأوراق المتعلقة بسفره خارج مصر، حيث هداه تفكيره لترك مصر بعد فشله في تحقيق فرص النجاح التي يحلم بها.
وقابل بالصدفة عبد المنعم غالى، مدير إدارة القناة الثانية فى ذلك الوقت، وطلب منه أن يأتى له فى مكتبه بالتلفزيون لشرب القهوة معًا، وأثناء المقابلة دار الحديث بينهما عن الرغبة فى تقديم برنامج تلفزيونى يهتم به جميع الشرائح ويرسم البسمة على وجوه المشاهدين، فاقترح عليه نصر فكرة برنامج مقالب اسمه “الكاميرا الخفية”، تردد غالي في بداية الأمر، وعرض الموضوع على سهير الإتربي رئيسة الإذاعة والتليفزيون فى ذلك الوقت، ووافقت عليها، وقالت: “”اديله عربية وكاميرا وينزل يصور حالًا”.
تسلم إبراهيم نصر العربية، لكن كان هناك سؤال يشغله، هل يسافر أم يظل في مصر، يقول في برنامج كلم ربنا مع الكاتب الصحفي “أحمد الخطيب”: “عملت فقرتين إرتجالتين، وشافوهم في اللجنة ووقعوا من الضحك، وقالوا أنت مجنون، وايه الحلاوة دي إحنا لازم هنكمل، ووقتها قولت خلاص ربنا أختارلي وأنا عليا أنفذ، وبالفعل ربنا سترها معايا ونجحت نجاح كبير”.
وبدأ على الفور تصوير برنامج كاميرا خفية بعنوان «انسى الدنيا»، من إخراج على العسال، وأفكار شامخ الشندويلي، وعُرضت فى عام 1991، وحققت نسبة مشاهدة عالية.
بعيدا عن التلفزيون
لكن على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه إبراهيم نصر، لم يعرض عليه التلفزيون إنتاج جزء ثاني من البرنامج، فقدمه مع قناة خاصة، ومع المخرج رائد لبيب، الذي قابل إبراهيم نصر، وقال له: “أنا مسلسلي محدش شافه بسبب برنامجك”، فاتفقوا على العمل سويا، وصارت صداقة من أقوى الصداقات، كللت بالعديد من البرنامج وفيلم زكية زكريا في البرلمان”، وقدم بشخصية زكية زكريا برامج عدة منها “زوبة سات” و”هيما غاوى سيما”، وكذلك مسرحيات زكية زكرية والعصابة المفترية، وزكية زكريا تتحدى شارون على مسرح قصر النيل
كانت فكرة برنامج الكاميرا الخفية تقوم على وضع طاقم البرنامج أشخاص عاديين في مواقف غير محتملة باعتباره موقف واقعى، بهدف تصويرهم دون علمهم حتى يتمكن المشاهد من ملاحظة ردود أفعالهم على الموقف، وفي النهاية يكشف إبراهيم نصر، عن نفسه قائلًا جملته الشهير: “عايز تذيع قول ذيع”.
رفضوا إذاعة الحلقة
على عكس الشائع، كان الجميع يوافق على إذاعة الحلقات، مرددا، ذيع خلى الناس تنبسط، لكن هناك 25 شخص رفضوا إذاعة حلقاتهم في البرنامج، ويحكي نصر في حوار قديم، قائلا: “فيه 25 شخصا رفضوا إذاعة الفقرات التي سُجلت معهم واستطعت أنا والمخرج تلبية طلباتهم، وطلب مني رجل صعيدي عدم إذاعة الحلقة، وقال لي أنا ابن عمدة، وبمجرد ما تذيع الحلقة هتعرض للإيذاء من أهلي، وربما القتل، فوعدته بأن الفقرة لن تذاع”.
ومن ضمن الحلقات الملغاة، عندما يقوم بخداع شخص والحصول على هاتفه لإجراء مكالمة طويلة للغاية، دون اكتراث بأن هذا الهاتف لشخص آخر، اعتمادا على غضب الشخص، وبالفعل بعد الانتهاء من الأمر وإخبار الشخص أنه ضحية لمقلب، فوجئ إبراهيم نصر باعتذار الشخص بشكل راقٍ لعدم قدرته على عرض الحلقة، لأنه يعمل مدير أحد البنوك الكبرى وهذا الأمر يعرضه للإهانة، فقرر سريعا إنهاء التصوير.
أيضا، مقلب البيتزا الشهير، حيث يدخل إبراهيم نصر ويعلن أن البيتزا فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، ويطلب ممن أكلوا البيتزا، تناول قطرة، (عبارة عن مياه طبيعية)، لكن سيدة من رواد الكطعم أخبرته إنها حامل فألغى المقلب، حتى لا يكون هناك أي تأثير ولو نفسي على الجنين.
وكذلك، في مقلب الجزار، حيث تدخل زكية زكريا مع زوجها تقاوى، ويطلبون لحوم بـ 500 جنيه (وهو رقم كبير في ذلك الوقت)، ثم يتظاهر تقاوى بإنه نسى أمواله، فيأخذ اللحوم ويترك زوجته، وعندما لا يعود، قرر الجزار وضع زكية زكريا في الثلاجة، وقام جزار آخر برفع السلاح عليه، لكنه نجا من الموت بأعجوبة، بعد أن كشف المقلب.
شخصيات لا تُنسى
مثل غباشي النقراشي ومن أشهر حلقاته، حلقة الأسانسير بتذاكر، وفيها يفاجئ الضيف بوجود “غباشي النقراشي” على باب الأسانسير ويطلب تذاكر للمرور، وو«زكية زكريا»، السيدة التى ارتبطت فى ذاكرة الجمهور بالكاميرا الخفية، ومن شدة شهرتها قدمها نصر على خشبة المسرح والسينما.
وكان له جمل شهيرة مثل «يا نجاتى انفخ البلالين علشان عيد الميلاد» و«لما أقولك بخ تبخ» و«إوعى الجمبرى يعضك”، و”كشكها متعرضهاش”، أو أن يحكي الموقف في بداية الحلقة، ثم يقطع كلامه قائلا: “ما تيجي نشوف”.
مواقف محرجة
وحكي الفنان الراحل إبراهيم نصر، كيف إنه تعرض لضرب مبرح من بعض الشخصيات التى تم اصطيادها لصناعة المقلب، ومنها سيدة قامت بضربه “بالروسية”، ولكن عندما تأكدت من شخصيته اعتذرت له، وعندما سألها بتشتغلى إيه ضحكت وقالت “بتأجر في الخناقات”.
وتابع أيضًا: “كان فيه حلقة لجزار دخلنى وقالى أنتوا نصابين وعايزين تاخدوا اللحمة وتضحكوا عليا، وطلع العيال اللى شغالين عنده وضربوني ودخلونى التلاجة وعلقوني في الهيلب وما كانش فيه أكسجين، ومهما أقول مفيش فايدة لحد ما جالى واحد أنقذني، بس لما تأكد أنى ممثل الكاميرا الخفية قال عليا الطلاق ما حد ماشي من هنا كنا 40 شخص، وصمم يعزمنا كلنا أنا والفريق بتاعي على طاجن لحمة بالكبدة وسلطات وعيش وتحول إلى غاية في الذوق”.
عاهة مستديمة
ويقول: “حاولت الهرب جريًا من دور زبون الجزار، فإذا بإحدى السيدات تعتدي علي بشدة وذلك في أولى الحلقات التي عرضناها، والتي ما زلت أعاني بسببها من إصابة في ذراعي، حيث سببت لي عاهة مستديمة، لكن الضرب كان بيشعرني بالسعادة لانه نجاح للشخصية”.
شخصيات مساعدة
ظهر في البرنامج العديد من الشخصيات المساعدة، ومنهم “العائلة البدينة التي شاركته الحلقات ويقول عنهم: “تم اختيارها من بين 500 كومبارس تقدموا لي في اختبارات انتهت باختيار أحمد عسلية ووزنه 150 كيلو جرام، والدكتور خالد ووزنة 180 كيلو جرام، وغادة 182 كيلو جرام، وأطلقت عليهم عائلة (الفيلة)”.
كما ظهر معه أيضا شخصية تقاوي، التي قدمها الفنان مجدي رجب، والذي لمع نجمه في حلقات الكاميرا الخفية، وظل بعدها يؤدي مجموعة من الأدوار الثانوية حتى رشحه المؤلف (شامخ الشندويلي) على المخرج (رائد لبيب) والنجم (إبراهيم نصر) كي يسند إليه شخصية (تقاوي) في الجزء الأخير من (زكية زكريا)، ذلك الدور الذي نجح فيه أن يلفت الانتباه إليه من خلال الأداء المتميز والذي جعله أحد النجوم الشعبيين حتى وافته المنية في التاكسي أثناء ذهابة لبروفة مسرحية “دور ري مي فاصوليا”، مع سمير غانم في يناير عام 2002.
يحكي إبراهيم نصر عن شخصية زكية زكريا، أحب شخصياته لقلبه قائلا: “بعد ما عملت كل ادوار الرجاله اللي في الدنيا ما فضلش قدامي غير اني اعمل واحده ست عشان البرنامج يستمر، فقررت اعمل مزيج من مجموعه ستات شفتهم بالفعل، اخدت ضحكه دي علي مشيه التانيه علي صوت التالته، وضربت كل ده في الخلاط طلعت زكيه زكريا اللي الناس شافتها، ومحدش بيدخل في تفاصيل الشخصيه غيري، وكنت بعمل ماكياج احترافي خطير وكلفنا 400 ألف جنيه ودا رقم كبير جدا”.
هل البرنامج مفبرك؟
يحكي الكاتب والسيناريست تامر عبد الحميد أنه تقابل مع الفنان إبراهيم نصر، للإعداد لمشروع فيلم سينمائي، فسأله عبد الحميد، عن فبركة الكاميرا الخفية، فقال له إبراهيم نصر: “هي لو مفبركة، فأنا شاطر إني كل الفترة دي محدش شك فيا”، وهي إجابة غير قاطعة، لكن ما جعل الناس تشك في فبركة الكاميرا الخفية، ما قاله إبراهيم نصر في حوار سنة 1999: “أعتقد ما جعل البعض يتصور أنني أستعين بكومبارس، هي الحلقة التي شارك فيها الفنان سمير حسني، والتي لم تكن فيها الكاميرا خفية، لذلك اعتقد من رآها، أنني أصطنع الحلقات” رغم أن كل المشاهد طبيعية”.
وأضاف:”ليس من المعقول أن تكون الحلقات مفتعلة أو أن أستعين بكومبارس لتمثيل دور الضيف، لأن ذلك لا يحقق الأداء الطبيعي والصدق الذي كان في كل مشهد وحلقة.
مبارك يشاهد الكاميرا الخفية
قال المخرج والمنتج ورجل الإعلانات الشهير طارق نور، إن الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك طلب مشاهدة حلقات الموسم الثاني من برنامج “الكاميرا الخفية” قبل عرضها في شهر رمضان، فقبل استطلاع هلال شهر رمضان، توجهت مجموعة من مكتب رئاسة الجمهورية إلى مقر شركة طارق نور مطالبين بشرائط حلقات الموسم الجديد من “الكاميرا الخفية” لأن الرئيس حسني مبارك يرغب في مشاهدة الحلقات كاملة قبل العرض.
وأضاف: “الطلب جاء كون الرئيس مبارك أحبها الموسم الأول كثيرا، ما اضطر طارق نور للعودة من الغردقة للقاهرة للإفراج عن الشرائط.
ورحل الفنان إبراهيم نصر عن عالمنا في 12 مايو 2020، قبل أن يشاهد آخر أفلامه “صاحب المقام”، تاركا تاريخا فنيا طويلا، وضحكات ستتكرر طويلا كلما شاهدنا “زكية زكريا”، وهي تنصح “نجاتي” أن “ينفخ البلالين علشان عيد الميلاد”.
تعليقات
إرسال تعليق