البنك السلطاني العثماني بالإسكندرية: من مصرف تاريخي إلى معلم تراثي
إذا كنت تمر من شارع السبع بنات متجهًا إلى ميدان المنشية، وتحوّل يمينًا إلى شارع توفيق، فإنك على الأرجح ستلفت انتباهك مبنى ضخم وفخم لن تستطيع أن تُغفل عنه. سترفع رأسك لتجد فوق بابه الكبير لافتة محفورة على الرخام تقول: "البنك السلطاني العثماني" أو كما يُكتب بالفرنسية Banque Impériale Ottmane. نعم، هذا هو البنك السلطاني العثماني، المبنى العريق الذي يحمل في جدرانه الكثير من القصص التي قد لا يعرفها الكثيرون.
البنك السلطاني العثماني: تاريخ طويل وتحول عجيب
أنشئ البنك السلطاني العثماني في الإسكندرية عام 1866م، في فترة الخديوي إسماعيل، وتحديدًا في عهد الدولة العثمانية. كان المبنى في البداية مصممًا ليكون مقرًا لاستقبال السلطان العثماني عبد العزيز خلال زيارته لمصر في عام 1867م، وهو السلطان العثماني الوحيد الذي زار مصر بعد الاحتلال العثماني. لكن بعد تلك الزيارة، تم تحويل المبنى إلى مصرف ليخدم مصر خلال فترة هامة في تاريخها الاقتصادي.
موقعه المميز وتصميمه المعماري الفريد
المبنى يقع في منطقة المنشية، وهي منطقة تمتاز بكثافة تاريخية، حيث كان المكان يحتضن الكثير من المباني المعمارية الرائعة في العصر الحديث. قد يكون المبنى أحد أروع الأمثلة على عمارة القرن الـ19، حيث يمتاز بتصميمات نصف دائرية، ملاقف هواء ومناور للإضاءة، بالإضافة إلى فناء داخلي يضفي جمالًا وسحرًا على المبنى. وقد صممه المهندس المعماري "بروسپر ريمي"، الذي يعتبر من أبرز المصممين في تلك الحقبة.
تاريخ المصرف ودوره الاقتصادي
كان البنك السلطاني العثماني في البداية بنكًا عثمانيًا، إلا أنه في الواقع كان مصرفًا إنجليزيًا بامتياز. لعب دورًا رئيسيًا في القروض التي اقترضها الخديوي إسماعيل من البنك البريطاني، مستفيدًا من ارتفاع أسعار القطن بعد اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية. ورغم ارتباطه بالعثمانيين، إلا أن الدور الاقتصادي الذي لعبه في تلك الفترة كان حاسمًا في استدامة الاقتصاد المصري.
من مصرف إلى مكتب للشهر العقاري
استمر المبنى في أداء دور المصرف لمدة 90 عامًا، حتى تحول في الخمسينات من القرن العشرين إلى مقر للشهر العقاري التابع لوزارة العدل. ومع مرور الوقت، أصبح المبنى جزءًا من التاريخ السكندري، لكن معالمه الأصيلة بدأت تتلاشى.
التجديد والترميم: نداء للحفاظ على التراث
في عام 2011، وفي إطار جهود الوزارة للحفاظ على التراث، تم الاتفاق مع شركة عالمية لترميم المبنى، لكن على الرغم من ذلك، فإن عمليات الترميم لم تكتمل بشكل كافٍ حتى الآن. يُعد هذا المبنى جزءًا من تراث الإسكندرية الكوزموبوليتانية، ويجب أن يُحافظ عليه، كما حدث مع مبنى بريد العتبة وغيرها من المعالم المميزة.
الإسكندرية: مدينة ذات تاريخ معماري غني
تُعد الإسكندرية مدينة تميزت منذ القرن التاسع عشر بطراز معماري فريد، مع عمارة انتقائية مزجت بين الطرز الكلاسيكية والحديثة، وخاصة في ميدان القناصل الذي يُعد اليوم ميدان المنشية. هذا الميدان يضم معالم معمارية شهيرة مثل المحاكم المختلطة ومبنى البورصة، وغيرها من المباني التي تُعد بمثابة إرث ثقافي وفني لا يُقدر بثمن.
ختامًا: دعوة للحفاظ على التراث السكندري
إن البنك السلطاني العثماني هو واحد من أروع المعالم المعمارية في الإسكندرية التي تشهد على تاريخها العريق. فهو ليس مجرد مبنى، بل هو شاهد على حقبة تاريخية من أزهى عصور مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين. نأمل أن تتوجه الأنظار إلى أهمية الحفاظ على هذا المعلم التراثي، ونُناشد الجهات المعنية بإتمام أعمال الترميم بشكل علمي دقيق ليظل هذا المبنى جزءًا حيًا من ذاكرة الإسكندرية.
هل لديك صور أو ذكريات عن البنك السلطاني العثماني؟ شاركنا إياها، وكون جزءًا من مساعينا للحفاظ على تراث هذه المدينة العظيمة!
















تعليقات
إرسال تعليق