حكاية محل بودرو في الإسكندرية: رحلة عبر الزمان

حكاية محل بودرو في الإسكندرية: رحلة عبر الزمان
حكاية محل بودرو في الإسكندرية: رحلة عبر الزمان

 



محل بودرو في شارع سعد زغلول بالإسكندرية يعد واحدًا من أهم المعالم التي تحكي قصة تاريخية طويلة، تتمثل في اندماج الطابع الكوزموبوليتاني مع الأجواء الخديوية التي كانت تميز الإسكندرية في أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. لم يكن هذا المحل مجرد مكان لبيع الحلويات والمشروبات، بل كان مركزًا ثقافيًا واجتماعيًا مميزًا شهد العديد من الأحداث التاريخية والتطورات الاجتماعية.

البداية: من شارع فؤاد إلى شارع سعد زغلول

تبدأ حكاية محل بودرو في شارع فؤاد (الذي يعرف اليوم بشارع الملك فؤاد) حيث كان جياكومو جروبي (Giacomo Groppi) قد أسس أول محل له عام 1884، ليصبح هذا المحل واحدًا من أبرز محلات الحلويات في الإسكندرية. وكان جروبي، الإيطالي الأصل، قد أدخل إلى مصر حلوى جديدة تميزت بالكريمة المخفوقة، وهي الكريم شانتيه (crème chantilly)، وذاع صيته سريعًا.

في عام 1909، باع جروبي محله إلى أوغست بودرو (Auguste Baudrot) الذي حوله إلى "ميزون بودرو" (Maison Baudrot). أصبح المحل وجهة للمجتمع الأرستقراطي في الإسكندرية، وارتبط اسمه بالذوق الرفيع والحفلات الموسيقية التي كانت تُقام داخل المحل.

الازدهار والتحول الثقافي

مع تحول المحل إلى ملكية بودرو، أصبح له تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والثقافية في الإسكندرية. كانت ميزون بودرو مكانًا يُجمع فيه المثقفون والشخصيات الشهيرة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الشعراء والكتّاب مثل قافافي (Cavafy) وإي.إم فورستر (E.M. Forster) ولورانس دوريل (Lawrence Durrell)، الذين ترددوا على المحل في فترة من الزمن.

أصبح المحل رمزًا للطبقات الراقية في المدينة، حيث كان يقام فيه الكثير من الحفلات الموسيقية، وكان الناس يتناولون فيه الشاي والحلويات الشهية في أجواء فاخرة. كما كانت هناك مفارش وردية وأواني بورسلين فاخرة تضفي على المكان لمسة من الفخامة.

التغييرات الكبرى: من التمليك إلى التأميم

تغيرت الحياة الاجتماعية والثقافية في الإسكندرية في خمسينيات القرن الماضي، مع دخول مرحلة التأميم بعد ثورة يوليو. في عام 1962، تم إغلاق بودرو بعد التأميم، لينتقل المحل إلى أيدي أخرى. على الرغم من التغييرات العديدة التي طرأت على المحل ومكانه، استمر اسم بودرو في الذاكرة السكندرية كرمز للذوق والفخامة.

وفي عام 1981، تم تحويل المحل إلى بنك المصرف العربي، قبل أن يعاد افتتاحه في مكان آخر في شارع سعد زغلول بنفس الاسم، ولكن بتغييرات في الديكور والأثاث، حيث تغير الجو العام للمحل ليصبح أكثر توافقًا مع الوقت المعاصر.

إغلاق المحل: النهاية والتجديد

بودرو سعد زغلول تم إغلاقه نهائيًا في عام 2010، بعد مسيرة طويلة من النجاح والازدهار. ومع ذلك، ظل المحل في قلوب سكان الإسكندرية كجزء من تاريخهم الثقافي والاجتماعي، وهو ما دفع الكثيرين للتذكير بماضيه العريق.

ولكن في السنوات الأخيرة، تم إعادة تجديد المحل وافتتاحه مرة أخرى، مع تغييرات كبيرة في الديكور، لكن لم يعد هناك نفس الجو السكندري الكوزموبوليتاني القديم الذي تميز به المحل.

الحديقة والموتيل: إضافة جديدة إلى الحكاية

بالإضافة إلى المحل الرئيسي في شارع سعد زغلول، كان لـ بودرو أيضًا موتيل في سيدي بشر، حيث كان يُعد وجهة للنخبة، وكانت الخدمات فيه بمستوى عالي جدًا، بما في ذلك حمام السباحة والمستوى الرفيع لنزلائه.

كما كان هناك حديقة بودرو (Baudrot Le Jardin) التي أصبحت مكانًا مميزًا يتذكره الكثيرون، خاصة تكعيبة العنب التي كانت تحفة فنية تضيف لمسة سحرية على المكان.

ختامًا: الذكريات والإرث السكندري

لطالما كانت الإسكندرية مدينة مليئة بالذكريات والتراث الثقافي، من العصر الخديوي إلى عصر الكوزموبوليتانية، وكانت بودرو أحد الرموز التي شكلت هذه المدينة العريقة. وإن كانت الأجيال الجديدة قد لا تعرف الكثير عن هذا المكان، إلا أن الذكريات عن تلك الفترة ستظل حيّة في قلوب من عاصروها.

إذا كنت من عشاق الإسكندرية أو مهتمًا بتاريخها، يمكنك البحث عن صور قديمة أو معلومات إضافية حول هذا المحل التاريخي. يظل محل بودرو شاهدًا على فترة ذهبية من تاريخ المدينة، التي ربما لن تعود، لكن ذكرياتها ما تزال في قلوب من عايشوا تفاصيلها.












تعليقات