جامع البوصيري: روح المديح وسحر العمارة في قلب الإسكندرية

في قلب منطقة الأنفوشي العريقة بالإسكندرية، وعلى بُعد خطوات من البحر، يقف واحد من أجمل وأهم الجوامع التاريخية: جامع الإمام البوصيري. هذا الجامع يفوح بعبق التصوف، ويتميز بجمال العمارة، ويحكي قصة ممتدة من القرن الثالث عشر الميلادي حتى يومنا هذا.
الموقع والأهمية
يقع الجامع في حي الجمرك، بمنطقة الأنفوشي، بجوار مسجد أبو العباس المرسي، ويطل على البحر في مشهد يخطف القلوب. يُعد جزءًا لا يتجزأ من النسيج التاريخي والروحي للإسكندرية.
من هو الإمام البوصيري؟
الإمام البوصيري هو شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري، شاعر صوفي مصري عاش في القرن الثالث عشر الميلادي. اشتهر بكونه صاحب أشهر قصيدة في مدح النبي ﷺ، وهي قصيدة "الكواكب الدرية"، المعروفة شعبيًا بـ "البُردة". أصبحت هذه القصيدة مرجعًا أساسيًا لكل محبي المديح والإنشاد في العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن قبر الإمام البوصيري الأصلي موجود في القاهرة، إلا أن هذا الجامع في الإسكندرية سُمي على اسمه ويضم ضريح أحد أحفاده.
تأسيس الجامع وطرازه المعماري
تأسس الجامع عام 1271 هـ الموافق 1855 م، في عهد الخديوي سعيد باشا، على يد الحاج محمد البوصيري، وهو أحد أحفاد الإمام الشاعر.
يتأثر تصميم الجامع بالطراز العثماني، ويجمع بين البساطة والجمال في تفاصيله:
واجهة حجرية بسيطة تحمل لمسة عثمانية مميزة.
مئذنة رفيعة تتكون من ثلاثة طوابق (مربع، مثمن، أسطواني) وتتوج بقبة صغيرة.
قبة كبيرة تغطي مساحة الصلاة الرئيسية.
سقف خشبي داخلي مزخرف بزخارف نباتية بديعة.
محراب أنيق محفور بدقة، ويحمل آيات قرآنية بخط عربي جميل.
أعمدة من الرخام تقسم مساحة الصلاة بشكل مريح وجمالي.
مزار روحي ومحور لمثلث صوفي
يُعتبر الجامع، بضريحه الذي يضم أحد أحفاد الإمام البوصيري، مزارًا روحيًا للكثير من الناس، خصوصًا خلال احتفالات المولد النبوي الشريف. في هذه المناسبة، تتعالى أصوات المديح والذكر داخل الجامع، الذي يتزين برواده وتتجلّى فيه الروحانيات.
يقع جامع البوصيري ضمن مثلث روحي عظيم يضم أيضًا:
جامع أبو العباس المرسي
جامع ياقوت العرش
هذه المساجد الثلاثة تُشكل معًا جزءًا لا يتجزأ من التراث الصوفي للإسكندرية، وتحكي حكاية المديح والروحانية التي تميز هذه المدينة الساحلية.
إذا لم تكن قد زرته من قبل، ننصحك بالتوجه إلى منطقة الأنفوشي بالإسكندرية، والوقوف أمام هذا الجامع، لتشاهد بنفسك كيف اجتمع الفن والدين والروح في مبنى واحد يروي جزءًا مهمًا من تاريخ المدينة.
تعليقات
إرسال تعليق