مقام سيدي الإمام يعقوب بن عبد الرحمن: تاريخ، علم، وروحانية في قلب الإسكندرية

في قلب الإسكندرية، يحتضن حي عريق مقام سيدي الإمام يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القارئ المدني، والذي يُعد تحفة روحانية وتاريخية تعكس عمق التراث الإسلامي للمدينة. هذا المقام ليس مجرد بناء، بل هو شاهد على حياة عالم جليل، وراوي حديث نبوي، وداعية للإسلام فرّ من الفتنة ليجد في الإسكندرية ملاذًا ومركزًا لنشر العلم.
من المدينة المنورة إلى الإسكندرية: رحلة عالم من التابعين
يعود نسب الإمام يعقوب بن عبد الرحمن إلى قرية القار بالمدينة المنورة. وُلد هذا الإمام الجليل في المدينة المنورة، وعُرف عنه تفقهه العميق في الأحاديث النبوية، حيث روى الحديث عن أبيه، وعن موسى بن عقبة، وابن وهب، وابن معين.
تذكر المصادر أن الإمام يعقوب بن عبد الرحمن قدِم إلى الإسكندرية مع رفيقه عبد الله بن علي زين العابدين وعمّة رفيقه زينب بنت الحسين، وذلك بعد فتنة مقتل الحسين في عام 181 هـ. اختاروا الإسكندرية كوجهة لهم، واتخذوها مركزًا لنشر الإسلام والعلم الشرعي.
مركز للعلم والدعوة: دور المقام في نشر الإسلام
كان الإمام يعقوب بن عبد الرحمن ورفيقه عبد الله بن علي زين العابدين يتخذان من مكان المقام الحالي مقرًا لتعليم الناس ونشر الدعوة الإسلامية والأحاديث النبوية. دليلًا على هذه الأهمية التاريخية، يقع مقام عبد الله بن علي زين العابدين في الجهة المقابلة بنفس الشارع، مما يؤكد على دورهما المشترك في نشر العلم.
وفاته ومدفنه: تُوفي الإمام يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد في عام 181 هـ. ويقع مدفن بقية سلالته في مجمع الأضرحة بمنطقة أبو العباس الشهيرة بالإسكندرية.
المقام عبر العصور: إغلاق، حماية، وترميم
شهد مقام سيدي الإمام يعقوب بن عبد الرحمن العديد من التحديات والتحولات عبر تاريخه:
الافتتاح والترميم: تم افتتاح هذا المقام وترميمه في 29 ربيع الأول 1425 هـ.
ثورة 25 يناير والتخوف من الحريق: خلال أحداث ثورة 25 يناير، كان هناك تخوف من تعرض المقام للحريق نظرًا لقربه من عدد كبير من المؤسسات الحكومية والمباني التي احترقت بالكامل.
مطالبات الهدم وحماية الطرق الصوفية: ذكرت المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية أن سبب إغلاق المقام في تلك الفترة يعود إلى مطالبات السلفيين بهدم الأضرحة. وقد شكلت المشيخة لجانًا خاصة لحماية المقام وضمان سلامته.
إدارة المقام: تتبع إدارة المقام حاليًا للمشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية.
ضريح الإمام: يضم المقام ضريح الإمام يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد، تكسوه كسوة خضراء فاخرة، ويعلو الصندوق الشاهد الخاص به. يشهد المقام تدفقًا مستمرًا للزوار من لبنان وسوريا والعديد من المدن المصرية، مما يؤكد مكانته الروحية.
حريق 2018 والترميم الحالي: في 11 أبريل 2018، نشب حريق داخل المقام. تمكنت الحماية المدنية بالإسكندرية من السيطرة عليه، وتبين أن سببه يعود لكميات من مخلفات الورق المقوى والأخشاب، بالإضافة إلى تماس كهربائي. لم تحدث إصابات أو تلفيات تُذكر. بعد هذا الحادث، أُغلق المقام ويخضع حاليًا لعمليات ترميم شاملة لإعادته إلى رونقه.
مقام سيدي الإمام يعقوب بن عبد الرحمن هو أكثر من مجرد معلم تاريخي؛ إنه رمز للعلم، الصمود، والروحانية في الإسكندرية، يحكي قصة عالم جليل وإرث إسلامي عظيم.
هل زرت مقام سيدي الإمام يعقوب من قبل، أو تعرف مقامات أخرى لها تاريخ مماثل في الإسكندرية؟ شاركنا في التعليقات!
تعليقات
إرسال تعليق