من بطولات شعب بورسعيد: القصة الكاملة لخطف الملازم أنتوني مورهاوس وعصا بوليسية تهزم غرور ضابط!

من بطولات شعب بورسعيد: القصة الكاملة لخطف الملازم أنتوني مورهاوس وعصا بوليسية تهزم غرور ضابط!
في تاريخ المقاومة الشعبية المصرية، تبرز قصة خطف الملازم البريطاني أنتوني مورهاوس، ابن عم ملكة بريطانيا، خلال العدوان الثلاثي على بورسعيد عام 1956. هذه العملية الفدائية الجريئة، التي نفذها أبطال من شعب بورسعيد، أصبحت رمزًا للصمود والعزيمة، وكشفت عن بسالة غير عادية في مواجهة الاحتلال.
خطة الخطف وتنفيذها الجريء
في صباح يوم 11 ديسمبر 1956، كانت سيارة الأجرة "57 أجرة قنال"، التي أحضرها اليوزباشي عز الدين الأمير للفدائيين، تجوب شوارع بورسعيد. زودهم الضابط سامي خضير ببدلتي شرطة، وتولى الفدائي حسين عثمان دور بائع متجول لاستدراج أي ضابط إنجليزي وخطفه.
فجأة، تغيرت الخطة عندما مر مورهاوس ومجموعته. لاحظوا مورهاوس ينطلق بسيارته الجيب خلف طفل يركب دراجة. أسرع الفدائيون خلفه. كان الإنجليز قد منعوا ركوب الدراجات بعد أن استخدمها الفدائيون في رمي القنابل على قوات الاحتلال. ارتبك الطفل وسقط من على دراجته، فنزل إليه مورهاوس. في تلك اللحظة، لحقت به مجموعة الفدائيين المتنكرين في زي ضباط بوليس مصري. تجمع حولهم عدد كبير من الناس رغم أن الساعة كانت السابعة إلا ربع صباحًا. تحدثوا معه بصفتهم من البوليس المصري وتعهدوا له بإحضار الطفل، فاقتنع مورهاوس واستدار ليركب السيارة.
أثناء حديثه بغرور ووقاحة، قذف مسدسه في تابلوه السيارة. هنا، خطف الفدائي أحمد هلال المسدس وهو لا يزال في الهواء، ليصبح مورهاوس أعزل في لحظات. قام الفدائي بليّ ذراعه الأيسر في حركة تُعرف في الصاعقة بـ"قيادة الأسير"، ووضع إصبعه في ظهره وكأنه مسدس، فانهار مورهاوس تمامًا. تم اقتياده إلى السيارة ودفعه بقوة. الطريف أنه لم يكن مع مجموعة الفدائيين أي سلاح إلا بعض عصي الشرطة وخنجر في أرضية السيارة وملاءة سرير!
حاول مورهاوس ضرب السائق "عم علي زنجير"، فعاجله عم علي بلكمة قوية أسقطته على أرض السيارة. انطلقت السيارة بسرعة وسط هتافات الناس "الله أكبر! الله أكبر!".
إخفاء مورهاوس وتدابير إحباط التفتيش
توجه الفدائيون إلى "بلوكات النظام"، حيث اعتادوا خطف المصريين المتعاونين مع الإنجليز والذهاب بهم إلى هناك لمحاكمتهم. ثم أخذوا مورهاوس وجردوه من متعلقاته الشخصية (الكارنيه، نوته المذكرات). حاول مورهاوس الهرب مرة أخرى، فوضعوا منديلًا على فمه وربطوه حول وجهه، ووضعوا "الكلابشات" في يديه ورجليه، ثم وضعوه في جوال، ثم في صندوق. بعد أن ذهب "عم علي زنجير" للتخلص من السيارة التي استخدموها في العملية، وضعوا الصندوق في سيارة تابعة لقوات البوليس.
لم تتحرك سيارة البوليس، لكنهم وجدوا سيارة أخرى تابعة لعمليات خدمة نقل المياه، وهي سيارة مسموح لها بالمرور في أي مكان، فوضعوا الضابط بها. توجهوا إلى بيت في شارع أحمد عرابي، حيث كان مقر تجمع الفدائيين. وضعوا مورهاوس في الدور الأرضي وغطوه بـ"لحاف قديم"، ولسوء حظه تم وضع الصندوق مقلوبًا.
رد فعل الإنجليز وموت مورهاوس
ثارت القوات الإنجليزية بعد عملية الخطف، وبدأوا عمليات تمشيط واسعة للبحث عن الضابط المخطوف. على مسافة قريبة من البيت الذي أُخفي فيه الضابط الأسير، عثروا على السيارة التي استُعملت في عملية الاختطاف. فبدأوا في عمل حصار شامل من شارع كسري حتى شارع طرح البحر، ومن شارع الأمين حتى شارع محمد علي، ووضعوا الأسلاك الشائكة وحاصروا المنطقة لثلاثة أيام. خلال هذه الفترة، مات مورهاوس في صندوقه.
كان الإنجليز يفتشون المنازل بيتًا بيتًا، والعجيب أن البيت الذي أُخفي فيه الضابط مورهاوس كان داخل منطقة الحصار. لكنهم عثروا على الضابط ميتًا، فأخذوه ودفنوه تحت السلم.
كان التفتيش على قدم وساق؛ تتدخل مجموعة للتفتيش بينما تحميها مجموعة أخرى ويتم التبادل بينهما، وكانوا يكتبون على كل بيت كلمة (Clear) بالإنجليزية، أي "البيت نظيف". كان يسير معهم ضابط مصري اسمه محمد المر، وكان على علم بكل شيء. استطاع محمد المر أن يغافل قوة التفتيش ويكتب على البيت (Clear)، فلم يدخلوه، وبذلك تم إحباط عملية التفتيش الدقيقة.
لجأ الإنجليز بعد ذلك إلى القبض على عدد كبير من المواطنين وجمعوهم في "استاد النادي المصري"، ومارسوا معهم كل صنوف العذاب والإرهاب النفسي. كانوا يعطون الرجل ملعقة شاي صغيرة ويأمرونه بحفر قبر ليدفنوه فيه، أو يحفر حفرة ويوضع فيها بعض الرجال ثم تسلط عليهم أضواء سيارات الجيب ثم تسير هذه السيارات بسرعة كبيرة ثم تتوقف فجأة قبل أن تدهم الواقفين في الحفر. كما علقوا العديد من المشانق وفتحوا خراطيم المياه الباردة على العرايا من الناس. رغم كل هذا التعذيب، لم يصلوا إلى شيء، فلجأوا إلى أسلوب المنشورات التي تقول: "يا شعب بورسعيد الكريم عاملوا الأسير معاملة طيبة حسب الاتفاقيات الدولية".
تأثير الخطف على العدوان والانسحاب
بعد أيام، بدأ الإنجليز الانسحاب من حي المناخ والعرب إلى حي الإفرنج، وكان انسحابهم تحت ضغط العمليات الفدائية. فبعد خطف مورهاوس، قام "عم سيد عرسان" بقتل ويليامز، ضابط المخابرات، يوم 14 ديسمبر، وهو الضابط الذي كان يقود عمليات البحث عن مورهاوس.
أدت عملية خطف مورهاوس إلى إنهاء عملية حجز ضباط الصاعقة في "عيادة الدكتور حسن جودة"، ليقوموا بعد ذلك بالعديد من العمليات الكبيرة، أهمها ضرب الدبابات الإنجليزية يوم 15 ديسمبر، ثم الهجوم العام في بورسعيد يوم 16 ديسمبر. في هذه الأيام، أصبح كل من يحمل سلاحًا يضرب ويقتل في الإنجليز، فاضطروا إلى الانسحاب إلى حي الإفرنج.
ارتفعت معنويات الشعب البورسعيدي الصامد بعد عمليتي خطف الضابطين مورهاوس وويليامز. وقبل انسحابهم، قام الإنجليز بتسليم الأسرى المصريين، وحتى الأسرى الذين أُرسلوا إلى قبرص، إلى مصر.
تسليم رفات مورهاوس
بعد انسحاب قوات العدوان الثلاثي، بدأت قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة القيام بعملها. وبدأت القوات المصرية دخول المدينة. تم إبلاغ الخدمات الطبية بمكان جثة الضابط مورهاوس، فأخرجوا رفاته وأخذوها إلى المستشفى الأميري.
دُفن الضابط مورهاوس بمقابر الكومنولث، وظل بها حتى تمت المفاوضات والاتصالات مع الرئيس عبد الناصر عن طريق أكثر من وسيط. طلب عبد الناصر تسليم الجثة إلى البوليس الدولي، وذهبوا بها إلى مطار أبوصير. جاء طبيب أسنان إنجليزي كان يعالج مورهاوس، حيث كان الفك العلوي لمورهاوس بارزًا، وعن طريق هذا الفك، تعرف الطبيب على رفات جثة مورهاوس. ثم حملوا الجثة إلى قاعدة نابولي ومنها إلى إنجلترا، حيث دُفن في مثواه الأخير.
تظل قصة خطف الملازم أنتوني مورهاوس شاهدة على بطولة شعب بورسعيد وصموده الأسطوري في وجه العدوان.
ما هي أكثر نقطة أثارت دهشتك في هذه القصة؟
تعليقات
إرسال تعليق