حائط البراق – الحائط الغربي للمسجد الأقصى ومعالمه الدينية والتاريخية
حائط البراق – الحائط الغربي للمسجد الأقصى ومعالمه الدينية والتاريخية
يُعَد حائط البراق أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في مدينة القدس الشريف، وهو جزء لا يتجزأ من الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك. يتميز هذا الحائط بمكانته العظيمة عند المسلمين لما ارتبط به من أحداث خالدة في التاريخ الإسلامي، كما يحظى بأهمية كبيرة عند اليهود الذين يطلقون عليه اسم "حائط المبكى" أو "الحائط الغربي".
يمتد حائط البراق على طول يقارب 50 متراً، ويصل ارتفاعه إلى ما يقارب 20 متراً، ويقع بين باب المغاربة جنوباً والمدرسة التنكزية شمالاً. المنطقة المواجهة للحائط اليوم كانت في الأصل حارة المغاربة التي احتضنت بيوت الفلسطينيين المسلمين حتى عام 1967 حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدمها وتهجير سكانها قسراً، لتحويلها إلى ساحة خاصة للصلوات اليهودية.
المكانة الدينية لحائط البراق عند المسلمين
يرتبط حائط البراق مباشرة بحادثة الإسراء والمعراج، حيث ورد في الروايات الإسلامية أن النبي محمد ﷺ عندما وصل من مكة إلى المسجد الأقصى ليلة الإسراء، ربط دابة البراق في حلقة موجودة على هذا الحائط، قبل أن يدخل إلى المسجد الأقصى ويصلي بالأنبياء ثم يُعرج به إلى السماوات العلا.
من هنا جاءت التسمية الإسلامية "حائط البراق"، ويعتبره المسلمون جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك الذي يُعد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.
كما يوجد مسجد البراق ملاصقاً لهذا الجدار من الجهة الغربية، مما يؤكد على الارتباط الوثيق بين هذا الحائط والمعالم الإسلامية الأخرى في الحرم القدسي الشريف.
مكانة حائط البراق عند اليهود
يطلق اليهود على الحائط اسم حائط المبكى نسبة إلى طقوس البكاء والنواح التي اعتادوا القيام بها أمامه حزناً على ما يعتقدون أنه "خراب الهيكل". وتدّعي الرواية اليهودية أنه يمثل الجزء المتبقي من هيكل سليمان المزعوم.
منذ القرن السادس عشر الميلادي، ومع الحقبة العثمانية، بدأ اليهود يتخذون الحائط مصلى رئيسياً لهم. ومع مرور الوقت، وخصوصاً في القرن التاسع عشر، تضاعفت أهمية الحائط بالنسبة لهم حتى أصبح رمزاً دينياً ووطنياً في الفكر الصهيوني.
مع ذلك، فإن العديد من علماء الآثار اليهود أنفسهم، مثل البروفيسور "إسرائيل فينكلشتاين" رئيس قسم الآثار بجامعة تل أبيب، يشككون في وجود أي دليل أثري يثبت صحة الرواية اليهودية حول بقايا الهيكل، ويؤكدون غياب أي آثار مادية تدعم تلك المزاعم.
الكتاب الأبيض لعام 1928 وأحداث النزاع المبكر
في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، تصاعد الخلاف حول ملكية واستعمال حائط البراق. أصدرت الحكومة البريطانية عام 1928 ما عُرف بـ الكتاب الأبيض، الذي أكد على ضرورة المحافظة على الوضع القائم في الأماكن المقدسة ودعا المسلمين واليهود للتوصل إلى اتفاق ينظم حقوقهم.
قدم المسلمون، ممثلين بـ المجلس الإسلامي الأعلى، وثائق ومستندات تثبت أن الحائط وما حوله جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى. في المقابل، لم يقدم الجانب اليهودي أي مستندات تاريخية أو ملكية، واكتفى بدراسة فقهية دينية.
لاحقاً، ومع قرارات المؤتمر الصهيوني السادس عشر في زيورخ عام 1929، تصاعدت المطالب اليهودية بجعل الحائط مكاناً مخصصاً للصلوات اليهودية. هذا التوتر كان من الأسباب المباشرة لاندلاع ثورة البراق عام 1929، التي سطر فيها الفلسطينيون صفحة جديدة من المقاومة دفاعاً عن قدسيتهم وحقوقهم.
أسباب النزاع التاريخي حول حائط البراق
يعود النزاع إلى ادعاءات يهودية غير مثبتة تاريخياً بأن الحائط يمثل بقايا الهيكل المزعوم، بينما يرى المسلمون أنه جزء أصيل من المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف.
-
من وجهة النظر الإسلامية: الحائط ملك إسلامي صرف، ارتبط مباشرة بالإسراء والمعراج، ويُعتبر أحد جدران المسجد الأقصى.
-
من وجهة النظر اليهودية: الحائط أقرب نقطة إلى "قدس الأقداس" في رواياتهم الدينية، لذا يتخذونه مكاناً للصلاة والحداد.
لكن التنقيبات الأثرية المتكررة، سواء التي أجراها الاحتلال أو خبراء مستقلون، لم تثبت مطلقاً وجود أي آثار لهيكل سليمان في المكان، مما جعل العديد من المؤرخين والباحثين يصنفون الرواية اليهودية على أنها أسطورة سياسية ودينية تستهدف تكريس السيطرة على القدس.
تدمير حارة المغاربة وتحويلها إلى ساحة
في أعقاب حرب عام 1967 واحتلال القدس الشرقية، قام الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جريمة تاريخية بحق حارة المغاربة، إذ تم هدم الحي بالكامل بما في ذلك منازل العائلات الفلسطينية، المساجد والزوايا والمدارس.
بلغ عدد المباني المهدمة أكثر من 130 مبنى أثرياً، وهُجّر مئات السكان قسراً. وحولت هذه المنطقة إلى ساحة مفتوحة مخصصة للطقوس اليهودية أمام حائط المبكى.
بهذا، لم يكن الاستيلاء على الحائط مجرد سيطرة دينية رمزية، بل رافقه تغيير ديمغرافي وجغرافي قسري يهدف إلى محو الطابع الإسلامي الأصيل للمنطقة.
الجدل الأثري والتاريخي حول هوية الحائط
تشير الموسوعة اليهودية نفسها إلى أن اليهود لم يعرفوا الصلاة عند الحائط إلا في العهد العثماني، أي قبل بضعة قرون فقط. هذا التناقض التاريخي يعزز الرواية الإسلامية التي ترى أن نسبة الحائط للهيكل ليست سوى محاولة لطمس الهوية الإسلامية للمكان.
كما أن التنقيبات الإسرائيلية المكثفة أسفل المسجد الأقصى وحوله لم تقدم أي دليل مادي يثبت وجود "الهيكل"، بل إن بعض النتائج جاءت عكسية وأكدت الجذور الإسلامية والعربية العميقة للمكان.
حائط البراق في الوجدان المقدسي والفلسطيني
بالنسبة للفلسطينيين وأهل القدس خاصة، يمثل حائط البراق رمزاً من رموز الصمود والهوية. فهم يرونه وقفاً إسلامياً خالصاً لا يجوز التنازل عنه أو مشاركته مع أي طرف آخر. وهو شاهد على تاريخ طويل من محاولات التهويد والاستيلاء التي واجهها المقدسيون بالصمود والتمسك بحقوقهم.
خاتمة
إن حائط البراق ليس مجرد جدار حجري، بل هو شاهد على تاريخ القدس وصراع الهويات فيها. بالنسبة للمسلمين، هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك وارتبط بمعجزة الإسراء والمعراج. أما بالنسبة لليهود، فهو محور لروايات دينية لا يسندها علم أو آثار مادية.
يبقى الحائط رمزاً للصراع المستمر على القدس، حيث يحاول الاحتلال فرض روايته التاريخية، بينما يتمسك المسلمون والفلسطينيون بحقهم المشروع في هذا المكان المقدس.

تعليقات
إرسال تعليق