مدرسة شمس الدين شاكر البقرية – معلم أثري فريد في قلب القاهرة

مدرسة شمس الدين شاكر البقرية – معلم أثري فريد في قلب القاهرة
مدرسة شمس الدين شاكر البقرية – معلم أثري فريد في قلب القاهرة


مدرسة شمس الدين شاكر البقرية – تحفة معمارية في قلب القاهرة التاريخية

الموقع الجغرافي لمدرسة شمس الدين شاكر

تقع مدرسة شمس الدين شاكر بحارة العطوف المتفرعة من شارع باب النصر في حي الجمالية بمدينة القاهرة. ويُعد هذا الموقع من أبرز المناطق التاريخية التي تزخر بالآثار الإسلامية الفريدة، حيث تتجاور المدارس والمساجد والقباب في نسيج معماري غني يحكي تاريخ العصور المملوكية.

المنشئ وتاريخ الإنشاء

بُنيت المدرسة بين عامي 746هـ – 749هـ / 1348م، وأمر بإنشائها شمس الدين شاكر بن غُزيل، المعروف بـ"ابن البقري". هذا الرجل الذي اعتنق الإسلام عن قناعة، بعد أن كان من القبط، أصبح من كبار رجال الدولة المملوكية، حيث تولّى مناصب رفيعة أبرزها نظر الزخيرة في عهد السلطان الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون.

سيرة شمس الدين شاكر ابن البقري

أصله ونشأته

ينحدر ابن البقري من قرية دار البقرة بمحافظة الغربية. اعتنق الإسلام على يد الأمير شرف الدين بن الأزكشي، الذي قرّبه من السلطان الناصر حسن. لُقّب بـ"الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقري"، وكان مثالًا للرجل الصالح والإداري الحازم.

مناصبه وإنجازاته

تولى إلى جانب نظر الزخيرة عدة مناصب هامة مثل نظر الأوقاف والأملاك السلطانية، كما أُوكلت إليه إدارة الأوقاف في مدرسة عظيمة أسفل قلعة القاهرة. وقد عُرف بالعدل وحسن الإدارة، فمدحه معاصروه ووصفوه بالاستقامة والنزاهة.

أيامه الأخيرة ووفاته

في أواخر حياته مرض واقترب من العلماء والصالحين، وابتعد عن رفقة غير المسلمين. كان الشيخ الكمال الدميري من أبرز من لازموه في تلك الفترة. توفي مسلمًا عام 776هـ / 1374م، ودُفن في قبة مدرسته التي أنشأها بنفسه، لتظل شاهدًا على مسيرته.

الوصف المعماري لمدرسة شمس الدين شاكر

الواجهة والمدخل

تتميّز المدرسة بواجهة رئيسية تطل على حارة العطوف في الجهة الجنوبية الغربية. مدخلها الأنيق يقع إلى اليسار، وهو عبارة عن حجر غائر يعلوه عقد مدائني فخم، يحيط به جفت لاعب منعقد بزخارف معمارية رائعة. أسفل العقد تظهر مكسلتان حجريتان يحيطان بباب خشبي ضخم ذي مصراعين، يعلوه عتب رخامي مستقيم.

النصوص الكتابية والزخارف

تزيّن الواجهة كتابات مملوكية بخط النسخ البارز. النص الأيمن يبدأ بالآية الكريمة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غلّ..."
أما النص الأيسر فيوثّق إنشاء المدرسة على يد شمس الدين شاكر سنة 746هـ.

إلى يمين المدخل، لوحة رخامية تضم ثمانية أسطر تشير إلى إنشاء حوض لسقي الدواب، وقد جُدد سنة 938هـ، مما يعكس الاهتمام بتقديم خدمات عامة ضمن المنشآت الدينية.

النوافذ والتكوين الزخرفي

تضم الواجهة أربعة شبابيك موزعة في صفين. السفلية مستطيلة ومغطاة بمصبعات معدنية، بينما العلوية أصغر وأكثر بساطة. على يسار المدخل نافذة مستطيلة تعلوها دخلة زخرفية ضحلة، ويمتد فوقها شريط كتابي آخر يتضمن جزءًا من آية الكرسي:
"لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض..."

الداخل والصحن

عند دخول المدرسة، يجد الزائر ممرًا مستطيلًا ينتهي إلى ساحة كانت تمثل الإيوان الشمالي الغربي. يتوسط المبنى شخشيخة مضاءة بنوافذ زجاجية للتهوية. الصحن يضم ثلاث إيوانات، أبرزها في الجهة الجنوبية الشرقية، سقفه محمول على براطيم خشبية مزخرفة بنقوش نباتية دقيقة، بينما أرضيته مرصوفة ببلاط حجري متين.

الأهمية التاريخية والمعمارية

تجمع المدرسة بين الطابع التعليمي والديني، فهي لم تكن فقط مكانًا للعبادة، بل أيضًا مركزًا لتعليم العلوم الشرعية. ويبرز فيها جمال العمارة المملوكية من خلال النقوش الكتابية والزخارف الهندسية والنباتية. كما أن احتواءها على ضريح منشئها يجعلها شاهدًا على مكانته ودوره في التاريخ.

مدرسة شمس الدين شاكر ضمن آثار القاهرة الإسلامية

تُعد المدرسة من المعالم النادرة التي تمثل حقبة مهمة من تاريخ العمارة المملوكية. موقعها في حي الجمالية يجعلها جزءًا من مجموعة معمارية تزخر بها القاهرة الفاطمية، مثل مدرسة الناصر حسن، وجامع السلطان برقوق.





إن مدرسة شمس الدين شاكر البقرية ليست مجرد مبنى أثري، بل هي سجل معماري وتاريخي يحكي قصة رجل صالح أسلم بإخلاص، فترك أثرًا خالدًا في قلب القاهرة. جمال واجهتها وزخارفها، وتاريخ منشئها، يجعلها من أبرز التحف التي تستحق الدراسة والزيارة.


تعليقات