الإسكندرية: مدينة تحمل ندوب التاريخ في عمارتها

الإسكندرية: مدينة تحمل ندوب التاريخ في عمارتها
الإسكندرية: مدينة تحمل ندوب التاريخ في عمارتها

 



الإسكندرية: مدينة تحمل ندوب التاريخ في عمارتها

تاريخ الإسكندرية ليس مجرد صفحات في الكتب، بل هو حاضرٌ في شوارعها ومبانيها التي تحكي قصصًا عن الصمود وإعادة الميلاد. فبالإضافة إلى الأحداث المذكورة، تحمل عمارة المدينة تفاصيل إضافية تُظهر كيف أثرت الحروب في تشكيل هويتها.

الإسكندرية تحت القصف وتأثير الحرب على عمارتها
الإسكندرية مدينة عاشت دايمًا على خط النار. موقعها على البحر المتوسط خلاها مطمع للقوى الكبرى، وكل مرة الحرب بتيجي عندها بتسيب ندوب واضحة في عمارتها.
سنة 1882 كانت البداية القاسية. يوم 11 يوليو الأسطول البريطاني بدأ يقصف المدينة من البحر. الضرب استمر ساعات طويلة بالمدافع الثقيلة، والنتيجة إن واجهة الإسكندرية اتشالت تقريبًا. الطوابي اللي بناها محمد علي لحماية الميناء وقفت قدام أول الضربات لكنها ما استحملتش. حي المنشية، اللي كان قلب تجاري نابض بالأسواق والوكالات والمخازن، اتعرض لحريق ضخم بعد ما القذائف نزلت على المخازن الخشبية والبيوت. النار مسكت بسرعة وفضلت مولعة أيام طويلة لحد ما الدخان غطى سماء المدينة. مباني كاملة من القرن التاسع عشر وقعت أو اتصدعت، واللي فضل منها كان مليان شروخ وتشققات.
لكن القصف ما مسش بس المباني الحديثة، ده كمان مسح آخر بقايا من العمارة العثمانية والمملوكية المتأخرة. جوامع صغيرة بأسوار حجرية، ووكالات تجارية، وبيوت مشربيات خشب، كلها كانت لسه واقفة حوالين المنشية، راحت مع النيران. الحرائق التهمت وكالات وأسواق من أيام محمد علي وما قبلها، وضاع جزء كبير من نسيج المدينة الإسلامية اللي كان باقي. الحرب أنهت على ملامح كاملة من الإسكندرية القديمة، ومع إعادة الإعمار بدأ يظهر وسط بلد جديد على النمط الأوروبي، بواجهات إيطالية وفرنسية وشوارع أوسع وميادين مستقيمة. اللي عاش وشاف إسكندرية قبل 1882 ما كانش ممكن يتخيّل إسكندرية اللي اتولدت بعدها.
وبعد نص قرن تقريبًا رجعت الحرب من تاني، لكن المرة دي من السماء. في الحرب العالمية التانية، من 1940 لحد 1943، الإسكندرية كانت قاعدة رئيسية لأسطول بريطانيا في الشرق الأوسط. وده خلّاها هدف مباشر للطيران الألماني والإيطالي. الغارات الجوية استهدفت الميناء والترسانة البحرية، لكن القنابل كمان وقعت وسط الأحياء المدنية. محطة مصر اتأثرت، والشاطبي ومحرم بك والحي اللاتيني عرفوا الخوف من السماء. مدارس ومستشفيات وحتى كنائس ومساجد اتضربوا.
المباني اللي وقع جزء منها اتبنى بسرعة بخامات أبسط، وده خلا واجهات كتير يبان عليها الفقر في التفاصيل مقارنة بالمباني اللي اتبنت قبلها بعقود. في الأربعينات والخمسينات ظهر جيل جديد من العمارة مكان اللي اتهد، عمارات خرسانية بطراز الآرت ديكو المتأخر أو الحداثة المبكرة، وهنا زادت فسيفساء الإسكندرية طبقة جديدة.
النهارده وإنت ماشي في وسط البلد أو حوالين الميناء تلاقي كل طبقة من طبقات المدينة دي قدامك: بقايا عثمانية ومملوكية مشوهة، عمارات أوروبية من القرن التاسع عشر شايلة آثار الضرب، وعمارات حديثة اتبنت مكان اللي وقع وقت الحرب. كأن كل مبنى بيحكي جزء من الحكاية: إزاي الإسكندرية اتقصفت أكتر من مرة، إزاي فقدت جزء من ملامحها، وإزاي رغم كل ده فضلت مدينة بتقاوم وبتعيد تشكيل نفسها كل مرة.
الإسكندرية مدينة اتقصفت، لكن عمرها ما وقعت. عمارتها لحد دلوقتي شاهدة على إن كل حرب جرحتها، لكنها في كل مرة كانت بتسيب طبقة جديدة من الحكاية.

تأثير قصف 1882: من العثمانية إلى الطراز الأوروبي

كان قصف عام 1882 نقطة تحول جذرية. فقبل القصف، كانت الإسكندرية القديمة، خاصة حي المنشية، تحتفظ بملامحها العثمانية والمملوكية المتأخرة، حيث كانت البيوت ذات المشربيات الخشبية والوكالات التجارية المتراصة هي السائدة. لكن القصف البريطاني العنيف، الذي استهدف الميناء والمناطق المحيطة، لم يكتفِ بتدمير هذه المباني، بل قضى على نسيج معماري كامل.

أثناء إعادة الإعمار، تم هدم ما تبقى من المباني المتضررة بشكل كامل، وظهر طراز معماري جديد مستوحى من الطراز الإيطالي والفرنسي، مع شوارع وميادين أوسع مثل ميدان محمد علي (التحرير حالياً). ولهذا السبب، يظهر وسط البلد اليوم بطابعه الأوروبي الذي يبدو غريبًا عن الطابع العمراني المصري التقليدي.


الحرب العالمية الثانية: غارات من السماء ووجه جديد للمدينة

في الفترة بين 1940 و1943، تعرضت الإسكندرية لأكثر من 100 غارة جوية من الطائرات الألمانية والإيطالية. لم تقتصر هذه الغارات على الميناء والترسانة البحرية، بل امتدت لتضرب أحياء مدنية حيوية مثل محطة مصر، والشاطبي، والحي اللاتيني.

أدت هذه الغارات إلى تدمير جزئي أو كلي لعدد كبير من المباني، والتي تم إعادة بنائها بسرعة بعد الحرب. لكن هذه المرة، لم يكن الهدف بناء مبانٍ فاخرة، بل توفير مساكن بسرعة. هذا أدى لظهور عمارات بطراز "الآرت ديكو" المتأخر أو "الحداثة المبكرة"، والتي كانت أبسط في تصميمها وأقل زخرفة، مما أضاف طبقة جديدة من التباين في النسيج العمراني للمدينة.


الإرث العمراني: شاهد على الصمود

عندما تتجول في الإسكندرية اليوم، يمكنك أن ترى هذا التنوع العمراني الذي يروي قصة المدينة:

  • بقايا العمارة العثمانية: في بعض المناطق القديمة القليلة، لا تزال هناك بقايا لمبانٍ عثمانية أو مملوكية متأخرة تحمل آثار القصف.

  • النمط الأوروبي: في وسط المدينة، تشاهد العمارات الإيطالية والفرنسية التي بُنيت بعد قصف 1882، وتُظهر أناقة العصر.

  • طراز الآرت ديكو: في مناطق مثل الشاطبي، تظهر عمارات من فترة الأربعينيات والخمسينيات، والتي بُنيت على أنقاض ما دمرته الحرب العالمية الثانية.

كل جرح في عمارة الإسكندرية، من آثار القذائف إلى الشروخ في الجدران، يحكي قصة مدينة صمدت أمام الدمار، وأعادت بناء نفسها بأساليب مختلفة في كل مرة.

هل تود أن تعرف المزيد عن الطرز المعمارية التي ظهرت في الإسكندرية بعد الحروب؟











تعليقات