جامع الأمير آق سنقر السلاري – الجامع الأزرق بالقاهرة

جامع الأمير آق سنقر السلاري – الجامع الأزرق بالقاهرة
جامع الأمير آق سنقر السلاري – الجامع الأزرق بالقاهرة


جامع الأمير آق سنقر السلاري – الجامع الأزرق بالقاهرة

الموقع وأهمية الجامع الأزرق

يقع جامع الأمير آق سنقر السلاري، المعروف بـ الجامع الأزرق، في شارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي. هذا الموقع الاستراتيجي جعله واحدًا من أبرز معالم القاهرة التاريخية، حيث يتوسط مجموعة من المباني الإسلامية التي تعكس عراقة العمارة المملوكية والعثمانية. يحمل الجامع رقم أثر 123، ويُعد واحدًا من أقدم وأجمل الجوامع المملوكية التي ما زالت قائمة حتى اليوم.

الأمير آق سنقر السلاري – باني الجامع

نشأ الأمير آق سنقر السلاري في كنف السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وكان أحد أبرز مماليكه. ترقّى في المناصب حتى أصبح أمير مئة ومقدّم ألف، ثم عُيّن أمير شُكّار. نال حظوة كبيرة لدى السلطان، الذي زوّجه إحدى بناته وأسند إليه مناصب هامة مثل نيابة صفد وغزة، ثم تولى نيابة السلطنة في مصر سنة 1342م، وأخيرًا نيابة طرابلس. غير أن الأحداث السياسية أدت إلى غضب السلطان حاجي بن الناصر عليه، فاعتُقل وتوفي سنة 1347م، ودُفن في جامعه الذي شيّده بنفسه.

تاريخ إنشاء الجامع الأزرق

أنشأ آق سنقر جامعه في الفترة ما بين 747 – 748هـ / 1347 – 1348م. وذكر المؤرخ المقريزي أن الأمير أشرف على عملية البناء بنفسه، حيث اعتمد على العقود الحجرية في تسقيف الأروقة. كما ألحق بالجامع كُتّابًا لتعليم الأطفال وسبيلًا للمارة، وأوقف عليه أوقافًا في مدينة حلب لضمان استمرار نفقاته.

أصل تسمية آق سنقر والجامع الأزرق

يحمل اسم "آق سنقر" دلالة رمزية قوية، حيث تعني كلمة "آق" الأبيض في لغات أتراك وسط آسيا، بينما يشير "سنقر" إلى نوع من الصقور الكبيرة القوية التي تُستخدم في الصيد. لذا، فإن الاسم يعني "الصقر الأبيض"، رمزًا للقوة والنبل. أما تسمية الجامع بـ"الأزرق"، فجاءت لاحقًا بعد إضافة كسوة من القاشاني الأزرق على جدار القبلة في القرن السابع عشر الميلادي.

التجديدات العثمانية – دور إبراهيم أغا مستحفظان

بعد قرون من تأسيسه، تعرض الجامع لبعض الأضرار نتيجة الزلازل التي ضربت القاهرة. وفي عام 1651م، قام الأمير إبراهيم أغا مستحفظان، أحد أمراء الدولة العثمانية، بعملية تجديد شاملة للجامع. أهم ما قام به هو تكسية الجدار الشرقي حتى السقف بقطع من القاشاني الأزرق، التي صُنعت خصيصًا للجامع، فأكسبته شهرته الحالية بلقب الجامع الأزرق. كما أنشأ لنفسه مقبرة داخل الجامع، حيث دُفن بعد وفاته.

أعمال الترميم في العصر الحديث

في عام 1889م، أمر الخديوي محمد توفيق بترميم مئذنة الجامع بعد أن أصابها التصدع، فأُعيد بناؤها من الأعلى وتُوّجت بخوذة معدنية مكسوة بالرصاص. وفي القرن العشرين، تولت لجنة حفظ الآثار العربية أعمال ترميم شاملة للجامع، حيث أزالت المباني العشوائية المجاورة، وأصلحت العقود والمنبر، وأعادت تثبيت قطع القاشاني الأزرق على جدار القبلة.

الوصف المعماري للجامع الأزرق

الصحن والأروقة

يتألف الجامع من أربعة أروقة تحيط بصحن مكشوف مربع الشكل.

  • رواق القبلة: أكبرها وأكثرها عمقًا، ويضم رواقين يحملان عقودًا حجرية ترتكز على أكتاف مثمنة.

  • الأروقة الثلاثة الأخرى: يحيط كل منها بالصحن برواق واحد، وتضم أعمدة رخامية وعقودًا حجرية.

المحراب والمنبر

يُعد المحراب من أبرز معالم الجامع، حيث يتميز بحجمه الكبير وكسوته الرخامية المطعمة بالصدف، وتعلوه قبة ضخمة. أما المنبر، فهو من الرخام الملوّن، ويتميز بدقة زخارفه التي تعكس روعة الفن المملوكي.

المئذنة

تقع المئذنة في الزاوية الجنوبية للواجهة الغربية، وهي تتألف من ثلاث دورات تتدرج نحو الأعلى، وانتهت بخوذة معدنية بعد الترميم. تُعد هذه المئذنة مثالًا رائعًا على العمارة المملوكية، رغم ما لحق بها من تغييرات.

القاشاني الأزرق

الميزة الأبرز للجامع هي كسوة جدار القبلة الداخلي بقطع من القاشاني الأزرق العثماني، المزين بزخارف هندسية ونباتية دقيقة. هذا العنصر الجمالي جعل الجامع مقصدًا للزوار والرحالة، وميّزه عن غيره من مساجد القاهرة.

المقابر داخل الجامع

يضم الجامع عدة مقابر تاريخية، أبرزها:

  • مقبرة الأمير آق سنقر: تقع قرب الباب الجنوبي حيث دُفن باني الجامع.

  • مقبرة السلطان علاء الدين كُجك: تقع إلى يسار الباب الرئيسي، وقد توفي عام 1345م ودُفن فيها قبل اكتمال الجامع.

  • مقبرة إبراهيم أغا مستحفظان: تقع إلى يمين الداخل في مؤخرة الرواق الجنوبي.

الأهمية التاريخية والدينية للجامع الأزرق

يمثل الجامع الأزرق نموذجًا متفردًا يجمع بين العمارة المملوكية واللمسات العثمانية اللاحقة. وهو ليس فقط مكانًا للعبادة، بل أيضًا مركزًا تعليميًا وثقافيًا، حيث كان يضم كُتّابًا لتعليم القرآن الكريم، كما احتضن مقابر أمراء وسلاطين. ويُعد اليوم من أبرز الوجهات السياحية التي تُظهر تنوع وثراء العمارة الإسلامية في القاهرة.

خاتمة

يبقى جامع الأمير آق سنقر السلاري شاهدًا خالدًا على قوة العمارة الإسلامية في العصور الوسطى، وعلى التفاعل بين العصور المملوكية والعثمانية في مصر. ومن خلال جمالياته المعمارية وزخارفه الفريدة، يستمر الجامع الأزرق في جذب الباحثين والزوار من كل أنحاء العالم.



تعليقات