سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك – تحفة معمارية في قلب الجمالية بالقاهرة

سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك – تحفة معمارية في قلب الجمالية بالقاهرة
سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك – تحفة معمارية في قلب الجمالية بالقاهرة


سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك – تحفة معمارية في قلب الجمالية بالقاهرة

الموقع الجغرافي وأهمية المكان

يقع سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك في قلب شارع الجمالية بالقاهرة، أحد أعرق شوارع القاهرة الإسلامية، حيث يقابل مباشرة خانقاة السلطان بيبرس الجاشنكير. ويطل مدخله مع شباكه الجانبي على رأس حارة الدرب الأصفر، وهو من المواقع التي تحتفظ بروح القاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية.
يحمل السبيل الرقم (16) في فهرس الآثار المصرية، ويظهر موقعه بوضوح على خريطة القاهرة للآثار الإسلامية في اللوحة رقم (1)، بالمربع (3/ح). ارتباط السبيل بخانقاة بيبرس من خلال تخصيص جزء من ريعها لصيانته أكسبه اسمًا آخر هو "سبيل بيبرس الجاشنكير".

من هو الأمير قيطاس بك؟

الأمير قيطاس بك من كبار أمراء الدولة العثمانية في مصر خلال القرن السابع عشر. تولى عدة مناصب مهمة، وكان معروفًا بأعماله الخيرية والوقفية التي تهدف إلى خدمة المجتمع. ترك بصمة معمارية بارزة من خلال تشييد السبيل والكتاب في القاهرة، بالإضافة إلى وثيقة وقف لمسجد بناه في مدينة ملوي بمحافظة المنيا.

تاريخ إنشاء السبيل والكتاب

أُنشئ السبيل عام 1040هـ / 1630م وفقًا للنص التأسيسي المنقوش على إزار سقفه، حيث وردت آية كريمة:
"بسم الله الرحمن الرحيم وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا"
ثم تلاها نص يشير إلى أن الأمير قيطاس بك هو مؤسس هذا الأثر، وأنه أنشأ السبيل والكتاب ابتغاء وجه الله وثوابًا له.

النص التأسيسي جاء بصياغة شعرية رائعة، حيث قيل فيه:
"سبيل فريد الحسن قيطاس عمره، بنى مكتبًا لله قصد ثوابه، وخير سبيل قد سقى الناس كوثره."

الوظيفة الاجتماعية للسبيل والكتاب

السبيل كمصدر ماء

في ذلك العصر كان السبيل وسيلة إنسانية لتوفير الماء العذب للعامة. فقد وُضع في مكان استراتيجي يخدم المارة وأهل الحي، مما جعله مقصدًا يوميًا للعطشى من أهل القاهرة وزوارها.

الكتاب للتعليم

أُقيم فوق السبيل كتاب لتعليم الأطفال القرآن الكريم واللغة العربية. وهكذا جمع المبنى بين وظيفتين أساسيتين:

  • توفير الماء العذب كعمل خيري دائم.

  • نشر العلم عبر الكتاب، وهو ما يعكس فلسفة الأوقاف الإسلامية في الدمج بين خدمة الجسد والروح.

الوصف المعماري لسبيل وكتاب قيطاس بك

الواجهة والتصميم الخارجي

تتسم الواجهة الرئيسية للسبيل بالفخامة، حيث يظهر المدخل البارز بزخارف حجرية ونقوش كتابية تعلوه. كما يطل شباك التسبيل على شارع الجمالية مباشرة، وهو مزود بمصبعات معدنية دقيقة التصميم تسمح بتمرير الأوعية لملئها بالماء.

النصوص التأسيسية والزخارف

أبرز ما يميز السبيل هو الإزار الكتابي المنقوش بخط عربي بديع، يتضمن نصوصًا قرآنية وأبياتًا شعرية تؤرخ لتشييده. هذه الكتابات ليست مجرد زخرفة، بل هي توثيق تاريخي يخلد ذكر الأمير قيطاس بك.

الداخل وتوزيع العناصر

يتألف الداخل من حجرة التسبيل المزوّدة بحوض رخامي ضخم، يُغذّى من خزانات مياه أرضية. أما السقف فيتزين بزخارف هندسية ملونة، تعكس جمال العمارة العثمانية.
في الطابق العلوي، يوجد الكتاب، وهو غرفة واسعة مضاءة بنوافذ تطل على الشارع، كان يجلس فيها الفقيه لتحفيظ الأطفال القرآن وتعليمهم مبادئ الكتابة والقراءة.

السبيل ضمن آثار القاهرة الإسلامية

يُعد سبيل وكتاب قيطاس بك مثالًا حيًا على الطراز المعماري العثماني في القاهرة. كما يمثل استمرارًا لتقاليد الأسبلة والكتاتيب التي انتشرت منذ العصر المملوكي. موقعه المميز أمام خانقاة بيبرس الجاشنكير جعله جزءًا من منظومة معمارية متكاملة تعكس ثراء القاهرة الإسلامية.

الأهمية الدينية والاجتماعية

لم يكن السبيل مجرد مبنى أثري، بل كان جزءًا من الحياة اليومية للقاهرة. فقد جمع بين العمل الخيري من خلال سقيا الماء، والعمل التربوي عبر تعليم الأطفال، وهو ما يجعل قيمته مضاعفة. كما ساهمت الأوقاف في استمرارية دوره عبر تخصيص موارد مالية لصيانته وتشغيله.

تراث خالد يستحق الزيارة

اليوم، يُعتبر سبيل وكتاب قيطاس بك محطة هامة لعشاق التاريخ والعمارة الإسلامية. زيارته تمنح فرصة للتعرف على أسلوب الحياة في القاهرة العثمانية، حيث يلتقي الزخرف بالجمال، والعمل الخيري بالتعليم، في مبنى واحد خالد.


إن سبيل وكتاب الأمير قيطاس بك ليس مجرد أثر معماري، بل هو شهادة حيّة على حضارة جمعت بين الجمال والرحمة والعلم. بفضل موقعه المميز في شارع الجمالية، وتصميمه المعماري البديع، ودوره الاجتماعي الفعّال، يظل واحدًا من أبرز المعالم الإسلامية التي تزين قلب القاهرة.


تعليقات