جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة – تحفة معمارية على مر العصور

جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة – تحفة معمارية على مر العصور
جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة – تحفة معمارية على مر العصور


جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة – تحفة معمارية على مر العصور

يُعتبر جامع الحاكم بأمر الله من أبرز المساجد التاريخية في القاهرة، وأحد أهم الشواهد على العمارة الفاطمية. يحمل الجامع رقم أثر 15، ويقع في قلب حي الجمالية، عند بداية شارع المعز لدين الله الفاطمي، ملاصقًا لباب الفتوح الشهير. يمتاز هذا الجامع بتاريخه الطويل الممتد منذ أواخر القرن الرابع الهجري، وبمعماره الفريد الذي يجمع بين الأصالة والتجديد، ليبقى واحدًا من أهم الصروح الإسلامية في مصر.


الموقع الجغرافي لجامع الحاكم بأمر الله

يقع الجامع في أول شارع المعز لدين الله ملاصقًا لباب الفتوح بحي الجمالية، وهو موقع استراتيجي ضمن قلب القاهرة التاريخية. هذا الموقع جعل المسجد نقطة محورية بين أهم الآثار الإسلامية مثل مسجد الحسين، والجامع الأزهر، ومجموعة السلطان قلاوون.


البداية والتأسيس

بدأ الخليفة الفاطمي العزيز بالله في تشييد الجامع سنة 380هـ (990م) خارج باب الفتوح القديم، وأطلق عليه اسم جامع الخطبة.
لكن أعمال البناء توقفت لبعض الوقت، حتى جاء ابنه الخليفة الحاكم بأمر الله وأكمله في سنة 393هـ (1003م).

ورغم اكتمال البناء، لم يُفتتح الجامع رسميًا للصلاة إلا سنة 403هـ (1012م)، أي بعد مرور عقد تقريبًا على إنهائه.


تاريخ الجامع عبر العصور

في عهد المستنصر بالله الفاطمي

أعاد الوزير بدر الجمالي بناء السور الشمالي لمدينة القاهرة، فأدخل الجامع ضمن نطاق المدينة بعد أن كان خارجها.

زلزال 702هـ (1303م)

شهد المسجد زلزالًا مدمرًا أدى إلى انهيار معظم عقوده وأكتافه وسقوط سقفه وتهدم قمتي مئذنتيه.
وفي عهد السلطان الناصر محمد، أوكل الأمير بيبرس الجاشنكير مهمة ترميمه، فأعاد بناء المئذنتين ودعم الأجزاء المنهارة.

عصر السلطان حسن (1359م)

شهد الجامع أعمال تجديد شاملة أعادت إليه مكانته بين مساجد القاهرة الكبرى.

القرن التاسع عشر

في مطلع القرن التاسع عشر، سكنه بعض المهاجرين الشوام، وحوّلوه إلى ورش لصناعة الحرير والزجاج. ثم أصبح مخزنًا تحت إشراف وزارة الأوقاف، حتى تولت لجنة حفظ الآثار العربية مسؤولية ترميمه.

إصلاحات عمر مكرم (1808م)

قام الزعيم الوطني عمر مكرم بتجديد أربعة أروقة من الإيوان الشرقي وحوّلها لمسجد تقام فيه الصلاة. كما كسى جدار القبلة بالرخام وأقام منبرًا بجواره.

لجنة حفظ الآثار العربية (1927م)

عملت اللجنة على إصلاح أكتاف النصف الغربي من الرواق الجنوبي، وأعادت بناء المجاز القاطع لإيوان القبلة، وكشفت عن المحراب الأصلي بعد إزالة الرخام.

إصلاحات طائفة البهرة في القرن العشرين

في ثمانينيات القرن العشرين، أجرت طائفة البهرة أعمال ترميم واسعة أعادت للجامع هيبته المعمارية وروحانيته.


جامع الحاكم ومتحف الفن الإسلامي

من الطرائف التاريخية أن الرواق الشرقي للجامع احتضن عام 1881م أول متحف للفن الإسلامي، عُرف حينها باسم دار الآثار العربية.
وفي سنة 1883م بُني مبنى من طابقين في صحن الجامع ليكون مقرًا للمتحف.
لكن مع انتقال المتحف إلى باب الخلق عام 1903م، تحول المبنى السابق إلى مدرسة ابتدائية باسم السلحدار.


الوصف المعماري لجامع الحاكم بأمر الله

الأبعاد والتخطيط

  • الطول الداخلي: 120.5 مترًا.

  • العرض: 113 مترًا.

  • يتوسطه صحن مكشوف واسع تحيط به أربعة أروقة.

الأروقة

  • رواق القبلة: يضم خمسة صفوف من العقود، كل صف يحتوي على 17 عقدًا.

  • الأروقة الثلاثة الأخرى: تتكون من ثلاثة صفوف من العقود، جميعها مغطاة بأسقف خشبية بسيطة.

المآذن

  • شُيدت من الحجر على قواعد مربعة ضخمة بشكل هرم ناقص.

  • القاعدة السفلى ترجع إلى فترة التأسيس، بينما العلوية تعود لترميم بيبرس الجاشنكير عام 1303م.

  • المئذنة الشمالية: أسطوانية الشكل.

  • المئذنة الجنوبية: قاعدتها مربعة ويعلوها بدن مثمن.

  • زخارف المآذن: نباتية وهندسية، تتخللها أشرطة كتابية بالخط الكوفي المزهر.

المدخل الرئيسي

  • يقع بين المئذنتين.

  • يغطيه قبو أسطواني ضخم.

  • عرضه 2.20 متر، وتحيط به زخارف حجرية دقيقة بارتفاع 1.50 متر.

الزخارف والخطوط الكوفية

من أبرز ما يميز المسجد جودة الزخارف ودقة الكتابة الكوفية، حيث تنتشر على بدني المئذنتين، وعلى الشريط الكتابي الممتد أسفل السقف، بالإضافة إلى النوافذ الصغيرة في قبة المحراب.


الأهمية التاريخية والدينية

يُعتبر الجامع مركزًا للعمارة الفاطمية في مصر، ومثالًا بارزًا على التطور المعماري الإسلامي.
كما لعب دورًا محوريًا في الحياة الدينية والسياسية، حيث شهد خطب الجمعة والاحتفالات الدينية الكبرى.


المصادر والمراجع

  • سعاد ماهر: مساجد مصر (ج1 ص 228 – 239).

  • كمال الدين سامح: العمارة الإسلامية في مصر ص 26 – 27.

  • عبدالرحمن زكي: القاهرة، تاريخها وآثارها ص 54.

  • أبوالحمد فرغلي: دليل موجز لأهم الآثار الإسلامية ص 222 – 225.

  • فاروق عسكر: دليل مدينة القاهرة، الجزء الثاني، أبوظبي: 2002.

  • د. أيمن فؤاد السيد: التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1997.









يبقى جامع الحاكم بأمر الله شاهدًا حيًا على عظمة العمارة الإسلامية الفاطمية، ورمزًا لتاريخ القاهرة العريق. مر الجامع بمراحل من التدهور والترميم، لكنه ظل صامدًا كأحد أعظم مساجد مصر وأكبرها. مآذنه الفريدة، نقوشه الكوفية، وصحنه الرحب تجعله معلمًا خالدًا في وجدان المصريين وزوار القاهرة من مختلف أنحاء العالم.


تعليقات