المقعد الصيفي والتختبوش في منزل إبراهيم كتخدا السناري بحارة منج بالسيدة زينب بالقاهرة – تحفة معمارية شاهدة على التاريخ

المقعد الصيفي والتختبوش في منزل إبراهيم كتخدا السناري بحارة منج بالسيدة زينب بالقاهرة – تحفة معمارية شاهدة على التاريخ
المقعد الصيفي والتختبوش في منزل إبراهيم كتخدا السناري بحارة منج بالسيدة زينب بالقاهرة – تحفة معمارية شاهدة على التاريخ


المقعد الصيفي والتختبوش في منزل إبراهيم كتخدا السناري بحارة منج بالسيدة زينب بالقاهرة – تحفة معمارية شاهدة على التاريخ

يُعد منزل إبراهيم كتخدا السناري الكائن في حارة منج بحي السيدة زينب بالقاهرة واحدًا من أبرز النماذج المعمارية الإسلامية في أواخر العصر العثماني بمصر. هذا البيت العريق الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر الميلادي لم يكن مجرد مسكن، بل كان مركزًا ثقافيًا وعلميًا هامًا، خصوصًا بعد أن اتخذته الحملة الفرنسية (1798–1801م) مقرًا لعلمائها الذين أعدّوا فيه موسوعتهم الشهيرة "وصف مصر".


إبراهيم كتخدا السناري: من البواب إلى أحد كبار أعيان القاهرة

وُلد إبراهيم السناري في مدينة دنقلة بالسودان، ونُسب إلى بلدة سنار الواقعة على ضفاف النيل الأزرق. بعد قدومه إلى مصر، استقر في البداية بمدينة المنصورة حيث عمل بوابًا. غير أن ذكاءه وطموحه دفعاه لتعلم اللغة التركية، كما برع في علم الفلك والتنجيم، ما جعله محط أنظار أمراء المماليك.

التحق بخدمة مصطفى بك الكبير، ثم تقرب من مراد بك الكبير الذي رقّاه إلى منصب الكتخدا، أي وكيل الوالي، وهو منصب مرموق جعله من كبار أعيان القاهرة وصاحب جاه ومال ومماليك وأتباع.
وقد ورد ذكر مكانته في وثيقة شرعية مؤرخة في 18 رمضان 1209هـ / 1795م تصفه بأنه "فخر الأماثل... كتخدا افتخار الأمراء العظام".

لكن نهايته كانت مأساوية، إذ قُتل في مذبحة أمراء المماليك التي نفذها حسين باشا القبطان في 17 جمادى الآخرة 1216هـ / 25 أكتوبر 1801م، ودُفن في مدينة الإسكندرية.


المنزل بعد الحملة الفرنسية: مركز للعلم والفن

نال بيت إبراهيم كتخدا السناري أهمية استثنائية بعد أن اتخذته الحملة الفرنسية مقرًا لفريق من العلماء والفنانين الذين عملوا فيه على إعداد أبحاثهم ورسوماتهم التوضيحية التي نُشرت لاحقًا في موسوعة "وصف مصر".

ومن أبرز هؤلاء العلماء:

  • الرسام ريجو الذي ذكره الجبرتي باسم "أريجو".

  • مالوس ولانكرية.

  • تيراج وجولو.

  • وقد ترأسهم عالم الرياضيات الشهير جاسبار مونج (1746–1808م).

بهذا، أصبح البيت رمزًا للتلاقي بين العمارة الإسلامية والعلم الأوروبي الحديث في ذلك العصر.


التصميم المعماري للمنزل

يتميز منزل إبراهيم السناري بكونه تحفة معمارية تجمع بين البساطة والجمال، ويتألف من طابقين يحيطان بفناء داخلي مكشوف تتوسطه فسقية رخامية تزيد من جمال المكان وتلطف مناخ البيت.

الطابق الأرضي

  • يضم غرفًا للخدمات والمخازن.

  • يحتوي على التختبوش وهو المكان المخصص لاستقبال الرجال.

  • يشمل المقعد الصيفي الذي يتميز بزخارف خشبية دقيقة تعكس الطابع الفني لتلك الفترة.

الطابق الثاني

  • يضم قسم السلاملك المخصص للرجال.

  • قسم الحرملك المخصص للسيدات.

  • غرف إقامة خاصة، إضافة إلى قاعة كبرى وحمام.

الواجهات والمشربيات

تحيط بالفناء مجموعة من المشربيات الخشبية والشبابيك المزخرفة.
أما الواجهة الرئيسية فتتسم بالبساطة، وتضم مشربية كبيرة تطل على الشارع، مما يجمع بين الخصوصية والجمال الفني.


المقعد الصيفي: ملتقى النخبة

كان المقعد الصيفي من أبرز معالم المنزل، إذ صُمم ليستقبل كبار الزوار والوجهاء. تميز هذا المقعد بزخارفه الخشبية المتقنة، التي تجسد فن الأرابيسك والعمارة العثمانية. كما كان يوفر مساحة مفتوحة تسمح بمرور الهواء، مما يجعله مناسبًا لاجتماعات الصيف والجلوس الطويل.


التختبوش: قلب الاستقبال الرجالي

يُعتبر التختبوش عنصرًا معماريًا أصيلًا في البيوت القاهرية. في منزل إبراهيم السناري، شكّل التختبوش مركز استقبال الرجال، حيث كانت تُعقد فيه المجالس الرسمية والاجتماعات الاجتماعية. تصميمه البسيط والعملي يجسد روح الضيافة الشرقية الممزوجة بالهيبة.


الأهمية التاريخية والثقافية للمنزل

يُعد منزل إبراهيم كتخدا السناري شاهدًا على عدة مراحل مهمة من تاريخ القاهرة:

  1. العصر المملوكي والعثماني: حيث بُني المنزل وفقًا للطابع المعماري الإسلامي التقليدي.

  2. فترة الحملة الفرنسية: حيث تحول إلى مركز علمي وفني عالمي.

  3. العصر الحديث: إذ ما زال المنزل قائمًا حتى اليوم، يروي قصص القرون الماضية.


التحديات التي تواجه المنزل حاليًا

مثل الكثير من المباني التاريخية في القاهرة، يواجه منزل إبراهيم السناري تحديات عديدة:

  • التدهور المعماري نتيجة تقادم الزمن.

  • الإهمال والصيانة غير الكافية.

  • التوسع العمراني العشوائي الذي يهدد البيئة المحيطة به.

ومع ذلك، فإن الاهتمام المتزايد من قبل وزارة الثقافة والهيئات التراثية يعكس أملًا في الحفاظ عليه كجزء من الهوية المصرية.


 منزل يحمل ذاكرة مصرية وعالمية

إن منزل إبراهيم كتخدا السناري ليس مجرد بيت قديم في حي شعبي بالقاهرة، بل هو ذاكرة معمارية وثقافية تحمل بين جدرانها قصص صعود رجل من عامة الناس ليصبح من كبار الأعيان، ومقرًا لعلماء الحملة الفرنسية الذين أسهموا في توثيق حضارة مصر.

يبقى المقعد الصيفي والتختبوش شاهدين بارزين على عبقرية العمارة الإسلامية وقدرتها على المزج بين الجمال والوظيفة. وزيارة هذا المنزل اليوم ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي رحلة في عمق التاريخ المصري.


تعليقات