بوابة السلطان قايتباي بحي منشية ناصر بالقاهرة – تحفة معمارية مملوكية خالدة
بوابة السلطان قايتباي بحي منشية ناصر بالقاهرة – تحفة معمارية مملوكية خالدة
تُعد بوابة السلطان قايتباي الواقعة في حي منشية ناصر بالقاهرة واحدة من أروع الشواهد التاريخية التي خلفتها دولة المماليك البحرية في مصر. هذه البوابة التاريخية، المسجلة تحت رقم 93 أثريًا، ليست مجرد مدخل إلى منشأة دينية أو معمارية، بل هي رمز عميق يعكس قوة السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي ورؤيته العمرانية الفريدة التي خلدت اسمه في سجل العمارة الإسلامية.
السلطان قايتباي: من مملوك إلى سلطان عظيم
وُلد السلطان الأشرف قايتباي سنة 815هـ تقريبًا، وقدم إلى مصر سنة 839هـ برفقة تاجر يُدعى محمود بن رستم. اشتراه السلطان الأشرف برسباي، ثم انتقل لاحقًا إلى خدمة السلطان الظاهر جقمق، الذي أعتقه ومنحه الفرصة لتولي مناصب رفيعة.
تميز قايتباي بالحكمة والحنكة السياسية، مما أهّله لأن يصبح واحدًا من أبرز سلاطين المماليك. تولى السلطنة في رجب سنة 872هـ (1468م)، وحكم قرابة 29 عامًا حتى وفاته سنة 901هـ (1496م) عن عمر ناهز 86 عامًا.
خلال فترة حكمه، ترك إرثًا معماريًا غنيًا شمل المساجد، المدارس، الأسبلة، والقلاع، أبرزها قلعة قايتباي في الإسكندرية.
الموقع وأهمية البوابة
تقع بوابة قايتباي في شارع السوق بحي منشية ناصر ضمن منطقة قرافة المماليك بمدينة القاهرة، وهي جزء من مجموعة معمارية متكاملة أنشأها السلطان في سنة 879هـ الموافق 1474م.
كانت البوابة هي المدخل الرئيسي المؤدي إلى المجموعة السلطانية التي ضمت مسجدًا، مدرسة، ضريحًا، وعدة مبانٍ خدمية. وتحديدًا، شُيدت البوابة على الجهة الجنوبية من المنشأة، لتكون معبرًا بين العالم الخارجي وصحن المجمع الداخلي.
الملامح المعمارية لبوابة السلطان قايتباي
تتميز بوابة قايتباي بجمالها الهندسي ودقتها المعمارية التي تعكس أسلوب العمارة المملوكية:
-
القوس المدبب: تعلو البوابة قنطرة مدببة، وهو تصميم شائع في فن العمارة الإسلامية، يعكس القوة والسمو الروحي.
-
الدائرتان الحجريتان: على جانبي العقد نجد دائرتين خاليتين من النقوش، في إشارة إلى البساطة والفراغ المقصود الذي يوازن بين الزخرفة والفراغ.
-
الجدار المحيط: كانت البوابة متصلة بجدار عظيم يحيط بالمجموعة من الجهة الجنوبية الشرقية، لكنه لم يعد موجودًا بالكامل حاليًا.
-
الوظيفة الدفاعية والجمالية: البوابة جمعت بين كونها عنصرًا دفاعيًا يسيطر على الدخول، ورمزًا جماليًا يعكس هيبة السلطان.
الباب الثانوي بجوار المقعد السلطاني
إلى جانب البوابة الرئيسية، يوجد باب ثانٍ بجوار مقعد السلطان قايتباي، يشبه في تصميمه الباب الأول. هذا الباب يؤدي إلى جدار مشابه للجدار الرئيسي، مما يعكس عناية المهندس المعماري بالتماثل والتوازن في التصميم.
هذه الأبواب لم تكن مجرد مداخل، بل كانت تعبيرًا عن النظام العمراني المملوكي الذي اعتمد على إبراز سلطة السلطان من خلال عناصر معمارية متقنة.
الأهمية الرمزية للبوابة في العصر المملوكي
لم تكن بوابة قايتباي مجرد مدخل مادي، بل كانت ذات رمزية عميقة في الثقافة المملوكية:
-
رمز السلطة والسيادة: كانت البوابة علامة على قوة السلطان ومكانته.
-
الفصل بين العام والخاص: لعبت دورًا روحيًا يفصل بين فضاء المدينة الخارجي والمكان المقدس الداخلي.
-
التعبير الفني: توازن البساطة مع الفخامة جعل منها تحفة معمارية تعبر عن فلسفة الجمال المملوكي.
إسهامات السلطان قايتباي في العمارة الإسلامية
اشتهر السلطان قايتباي برعايته للفنون والعمارة، فترك بصمة واضحة في مصر وخارجها:
-
مسجد ومدرسة السلطان قايتباي في القاهرة.
-
قلعة قايتباي في الإسكندرية، التي بنيت على أنقاض منارة الإسكندرية الشهيرة.
-
منشآت في الحجاز مثل سبيل بمكة المكرمة.
-
عمائر في بلاد الشام، ما جعله راعيًا للفنون عبر أرجاء العالم الإسلامي.
بوابة قايتباي تأتي كجزء من هذا الإرث العظيم، مؤكدة أن السلطان لم يكن مجرد حاكم، بل مهندسًا حضاريًا.
التحديات التي تواجه البوابة اليوم
مع مرور الزمن، تواجه بوابة قايتباي العديد من التحديات:
-
التحولات العمرانية: يشغل موقع الجدار المحيط الآن مقهى ودورة مياه حديثة مما يطمس ملامح الأصل.
-
الإهمال والتلوث: كغيرها من آثار القاهرة، تعاني من تراكم الغبار والإهمال في الصيانة.
-
الحاجة إلى الترميم: يتطلب الحفاظ عليها جهودًا متكاملة لإعادتها إلى رونقها الأصلي.
بوابة قايتباي وجهة للزوار والباحثين
اليوم، تُعد بوابة السلطان قايتباي مقصدًا للزوار، الباحثين، ومحبي التصوير الفني، حيث تشكل نقطة جذب سياحي وثقافي. التقاء الأصالة المملوكية مع الحياة اليومية الحديثة حولها يجعلها مكانًا نابضًا بالتاريخ والروح.
الفنانة صفاء الغباشي التقطت صورًا رائعة لهذه البوابة، مؤكدة على قيمتها الجمالية والمعمارية التي تستحق أن تُعرض وتُوثق عالميًا.
الخاتمة: إرث معماري خالد
إن بوابة السلطان قايتباي بحي منشية ناصر ليست مجرد مدخل أثري، بل هي شاهد حي على عظمة المماليك وعلى عبقرية السلطان قايتباي الذي حول العمارة إلى لغة ناطقة بالهيبة والجمال.
إنها دعوة للحفاظ على هذا التراث، وزيارة هذا الموقع الذي يُعد من أندر التحف المعمارية الإسلامية في القاهرة.

تعليقات
إرسال تعليق