منزل الأمير مصطفى سنان – تحفة معمارية عثمانية في قلب القاهرة التاريخية

منزل الأمير مصطفى سنان – تحفة معمارية عثمانية في قلب القاهرة التاريخية
الموقع الجغرافي وأهمية المكان
يقع منزل الأمير مصطفى سنان في حارة سليم المتفرعة من شارع سوق السلاح، أحد أهم شوارع القاهرة التاريخية التي ارتبطت بالحرف والصناعات العسكرية خلال العصر المملوكي والعثماني. ويُعد موقع المنزل استراتيجيًا حيث يجاور العديد من المباني الأثرية ذات الطابع الإسلامي، مما يجعله جزءًا من النسيج العمراني الذي يشكل هوية القاهرة الإسلامية.
المنشئ الأمير مصطفى جلبي سنان باش زاده
بُني المنزل على يد الأمير مصطفى جلبي سنان باش زاده، أحد أمراء الدولة العثمانية البارزين في القرن السادس عشر. كان الأمير سنان معروفًا بمكانته الإدارية والاجتماعية، كما عُرف بشغفه بالعمارة ورغبته في ترك أثر خالد يعكس مكانته. وقد اختار القاهرة لبناء منزله نظرًا لأهميتها كعاصمة للثقافة والسياسة الإسلامية.
تاريخ إنشاء المنزل
شُيّد المنزل في الفترة ما بين 961هـ – 964هـ / 1554م – 1557م، أي في منتصف القرن السادس عشر، وهو من الأمثلة المهمة على العمارة السكنية العثمانية في مصر. ورغم صدور قرار من اللجنة الدائمة للآثار عام 1957 يقضي بخروجه من خط التنظيم بدعوى افتقاره للميزات المعمارية، إلا أن المنزل ظل قائمًا بحالة إنشائية قوية، مما يثبت قيمته المعمارية والتاريخية.
الوصف المعماري للمنزل
التقسيم العام
يتألف المنزل من ثلاثة طوابق، بنيت بعناية لتخدم أغراض المعيشة اليومية، وتجمع بين الجمال الوظيفي والزخرفة التقليدية.
-
الطابق الأرضي: يضم فناءً واسعًا تحمله ثلاثة أعمدة من الجرانيت الوردي، تعكس قوة البناء وفخامته.
-
الطابق الثاني: يحتوي على مجموعة من الغرف الفاخرة التي خُصصت للاستقبال والضيافة، مما يدل على مكانة الأمير وحرصه على تقاليد الكرم.
-
الطابق الثالث: يضم عدة غرف مخصصة للسكن والمعيشة اليومية.
المشربيات الخشبية
أهم ما يميز المنزل وجود أربع مشربيات خشبية بديعة تطل على شارع سوق السلاح، وثلاث مشربيات أخرى على حارة سليم. المشربيات ليست مجرد عناصر زخرفية، بل كانت وسيلة لتوفير الخصوصية والتهوية والإضاءة الطبيعية.
الكوابيل الحجرية
يدعم المنزل أربع كوابيل حجرية بارزة على واجهته المطلة على شارع سوق السلاح، بالإضافة إلى ثلاث كوابيل أخرى على حارة سليم. هذه العناصر تعكس الطراز الإنشائي العثماني الذي يجمع بين الصلابة والزخرفة.
التفاصيل الداخلية
يضم المنزل زخارف خشبية دقيقة، وأبوابًا ذات نقوش تقليدية، وأسقفًا مزخرفة تعكس الثراء الفني للعصر العثماني. كما أن توزيع الغرف حول الفناء الداخلي يحقق التوازن بين الخصوصية والانفتاح، وهو من السمات الجوهرية للبيوت الإسلامية التقليدية.
الأهمية التاريخية والمعمارية
رغم ما ورد في بعض التقارير الرسمية من تقليل لقيمته، إلا أن منزل الأمير مصطفى سنان يُعد شاهدًا على مرحلة مهمة من تطور العمارة السكنية في القاهرة العثمانية. فهو يجمع بين البساطة المعمارية والوظائف العملية، مع لمسات زخرفية تضيف إليه طابعًا جماليًا مميزًا.
كما يعكس المنزل طبيعة الحياة الاجتماعية للأمراء العثمانيين في مصر، حيث يجمع بين الفخامة والخصوصية، ويوضح كيف كان يُنظر إلى العمارة كوسيلة للتعبير عن المكانة الاجتماعية.
قرارات الترميم والحفاظ على المنزل
في عام 1957 صدر تقرير اللجنة الدائمة للآثار الذي أوصى بخروج العقار من خط التنظيم، مع إلزام الملاك بإنشاء واجهة جديدة بالطراز المصري المبسط. ومع ذلك، ظل المنزل قائمًا بحالة إنشائية جيدة، ولا يزال بحاجة إلى مشروع ترميم متكامل يعيد إليه رونقه التاريخي ويحافظ على أصالته.
ونظرًا لموقعه في قلب القاهرة التاريخية، فإن ترميمه سيسهم في تعزيز الهوية الثقافية والمعمارية للمنطقة.
منزل الأمير مصطفى سنان ضمن نسيج القاهرة الإسلامية
يقع المنزل في منطقة غنية بالآثار الإسلامية مثل المساجد والمدارس والخانقاوات، مما يجعله جزءًا من منظومة معمارية متكاملة تعكس تاريخ القاهرة الإسلامية. وجوده في شارع سوق السلاح يضيف إليه قيمة إضافية، إذ كان الشارع مركزًا لصناعة الأسلحة خلال العصور الوسطى، وهو ما يربط المنزل بتاريخ عسكري واجتماعي فريد.
إن منزل الأمير مصطفى سنان ليس مجرد مبنى سكني قديم، بل هو وثيقة حية على العمارة العثمانية في القاهرة، وعلى الحياة الاجتماعية والثقافية في القرن السادس عشر. ورغم التحديات التي واجهها عبر الزمن، يظل قائمًا شامخًا محتفظًا بجمالياته التاريخية التي تستحق الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
تعليقات
إرسال تعليق