قبة خديجة بنت الأشرف – تحفة معمارية في قرافة المماليك الشرقية

قبة خديجة بنت الأشرف – تحفة معمارية في قرافة المماليك الشرقية
قبة خديجة بنت الأشرف – تحفة معمارية في قرافة المماليك الشرقية

 


قبة خديجة بنت الأشرف – تحفة معمارية في قرافة المماليك الشرقية

تُعد قبة خديجة بنت الأشرف إحدى أبرز المعالم التاريخية في قرافة المماليك الشرقية بمدينة القاهرة، حيث تجمع بين العمارة الإسلامية المملوكية والجوانب التاريخية العائلية لأسرة بارزة في بلاط السلطان الظاهر جقمق. تحمل القبة رقم أثر 106، وتقع في شارع الوقاد المتفرع من شارع السلطان أحمد بحي منشأة ناصر.


المنشئ: الأمير القاضي عبد الرحمن بن الجيعان

قام بإنشاء القبة الأمير القاضي مجد الدين عبد الرحمن بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب بن يعقوب بن الجيعان الدمياطي القبطي، أحد أبرز الشخصيات في عصر السلطان الظاهر سيف الدين جقمق.

كان القاضي عبد الرحمن يشغل منصب ناظر الخزانة الشريفة وكاتبها، وهو منصب بالغ الأهمية في الدولة المملوكية، عُهد فيه إليه بالإشراف على ثروات الدولة وأموالها. عُرفت أسرته، أسرة بني الجيعان، بنفوذها القوي في البلاط السلطاني، حيث تقلد إخوة القاضي مناصب مرموقة مثل نظارة ديوان الجيش والخزانة، حتى غدت هذه الوظائف تكاد تكون حكرًا عليهم.

وصفه المؤرخ السخاوي في كتابه التبر المسبوك في ذيل السلوك بأنه: "كان رئيسًا كريمًا، محبًّا للعلماء والصالحين، وخلف عددًا من الأبناء النجباء."


وفاة القاضي عبد الرحمن ودفنه

تُوفي القاضي عبد الرحمن في 27 المحرم سنة 855هـ / 1451م بعد عودته من رحلة الحج، حيث ألمّ به المرض في طريق العودة. في البداية، دُفن في تربة الأسرة العامة بالقرافة، لكن نُقل لاحقًا إلى تربته الخاصة التي أنشأها قبالة تربة السلطان الأشرف برسباي.

كان القاضي أول من دُفن في هذه التربة، والتي أصبحت لاحقًا مقر دفن إخوته، ومنهم:

  • سعد الدين إبراهيم بن عبد الغني: ناظر الخزانة الشريفة وكاتبها، وتُوفي ليلة الجمعة 23 ربيع الأول 864هـ. وصفه ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة بأنه: "كان حشمًا وقورًا وجيهًا عند الملوك."

  • القاضي علم الدين شاكر بن الجيعان: أكبر الإخوة، وتُوفي في ربيع الآخر سنة 882هـ بعد أن شهد وفاة جميع إخوته.


خديجة بنت الأشرف: الاسم الذي خلد القبة

رغم أن القبة أُنشئت أساسًا كمدفن لعائلة القاضي عبد الرحمن، إلا أنها عُرفت لاحقًا باسم قبة خديجة بنت الأشرف.

خديجة هي حفيدة القاضي عبد الرحمن، ابنة المقر الأشرف عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد بن الجيعان. تزوجت أولًا من أحمد بن سالم العبادي القاهري الأزبكي، لكن زواجها لم يدم طويلًا، ثم تزوجت من البهاء بن المحرقي وأنجبت منه أولادًا. عند وفاتها، دُفنت في تربة جدها القاضي مجد الدين عبد الرحمن، فأصبح الأثر يُعرف باسمها تخليدًا لذكراها.


الوصف المعماري لقبة خديجة بنت الأشرف

المسقط الأفقي والتخطيط العام

تتخذ القبة مسقطًا أفقيًا مربع الشكل، وهو النمط الشائع في عمارة الترب المملوكية. تضم أربع واجهات، وتُعد الواجهة الغربية هي الرئيسية، بينما الواجهات الثلاث الأخرى مصمتة، باستثناء الواجهة الشمالية التي تحتوي على دخلة مستطيلة مغلقة في ركنها الشرقي.

منطقة الانتقال والقبة

تعتمد منطقة الانتقال في القبة على نظام معماري بارع:

  • من الخارج، يتدرج البناء من الشكل المربع إلى المثمن، مما يهيئ لحمل القبة.

  • من الداخل، رُتبت الحنايا الركنية في صفين، على هيئة محاريب معمارية أنيقة.

الزخارف البديعة

تزيّنت القبة بمجموعة مبهرة من الزخارف البارزة والمتقاطعة، التي أضفت عليها جمالًا خاصًا.

  • تنتشر القنوات المستطيلة الغائرة على جدرانها، مما يضفي عمقًا على المشهد الزخرفي.

  • تبدأ الضلوع الداخلية بزخارف دقيقة على هيئة ميمات دائرية، نُفذت ببراعة فائقة، امتازت بجمالها ورقتها.


الأهمية التاريخية والمعمارية

تمثل القبة شاهدًا على عظمة الأسرة الجيعانية التي ارتبط اسمها ببلاط السلطان جقمق، كما تُجسد أسلوب العمارة المملوكية في القرن التاسع الهجري. إن زخارفها المميزة وتخطيطها الدقيق يجعلانها واحدة من أهم الترب الإسلامية في القاهرة.

ارتبطت القبة أيضًا بتاريخ نسائي مميز من خلال شخصية خديجة بنت الأشرف، مما أضفى عليها طابعًا عائليًا خاصًا يميزها عن غيرها من الترب السلطانية.


المصادر التاريخية

استندت المعلومات التاريخية والمعمارية حول القبة إلى عدة مصادر معتبرة، أبرزها:

  • السخاوي في التبر المسبوك في ذيل السلوك.

  • السخاوي في الضوء اللامع.

  • ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة.

  • المذكرة الإيضاحية – وزارة الثقافة.


إن قبة خديجة بنت الأشرف ليست مجرد مدفن أسري، بل هي تحفة معمارية مملوكية تجسد ملامح الزخرفة الإسلامية وروعة العمارة في القرن التاسع الهجري. إنها شاهد على نفوذ أسرة بني الجيعان، وعلى امتداد تأثيرهم السياسي والديني في مصر المملوكية. كما تحمل في طياتها قصة حفيدة ارتبط اسمها بالمكان لتخلده للأجيال.


تعليقات