منزل زكي ثابت بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة – تحفة معمارية خالدة من القرن الثامن عشر

منزل زكي ثابت بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة – تحفة معمارية خالدة من القرن الثامن عشر
منزل زكي ثابت بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة – تحفة معمارية خالدة من القرن الثامن عشر



منزل زكي ثابت بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة – تحفة معمارية خالدة من القرن الثامن عشر

يُعد منزل زكي ثابت أحد أهم المعالم الأثرية في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، ويمثل نموذجًا فريدًا للعمارة السكنية في القرن الثامن عشر الميلادي. يقع هذا الصرح التاريخي في شارع الشيخ قنديل المتفرع من شارع الأمصيلي، بالقرب من تقاطع شارع الشيخ يوسف، وهو موقع استراتيجي يعكس مكانة رشيد آنذاك كمدينة مزدهرة بالعلم والتجارة والفن.


الموقع والتصنيف الأثري



يحمل منزل زكي ثابت رقم أثر ٣٦ ضمن الآثار المسجلة بمحافظة البحيرة، وقد أُنشئ في عام ١٧٠٩م الموافق ١١٢١هـ على يد صاحبه زكي ثابت، أحد وجهاء المدينة في ذلك العصر. ويُعد هذا المنزل من أبرز الأمثلة التي تُظهر روعة العمارة الإسلامية في مصر العثمانية، حيث يجمع بين الفخامة والبساطة في التصميم، ويمثل شاهدًا حيًا على الهوية المعمارية لمدينة رشيد التي طالما تميزت بمنازلها التاريخية ذات الطابع الفريد.


الطراز المعماري المميز للمنزل

يتكون المنزل من أربعة طوابق مرتفعة، وتطل واجهته الرئيسية على الجهة الشرقية، وهو اتجاه يعكس ذكاء المعمار في الاستفادة من الإضاءة الطبيعية والتهوية.
يتميز الطابق الأرضي بوجود مدخلين رئيسيين:

  • المدخل الأول: وهو البارز في الواجهة، يتوسطه باب خشبي ضخم ذو ضلفتين، محفور بعناية ومزخرف بزخارف جصية تتكون من نجوم سداسية محاطة بأشكال هندسية دقيقة مثل المعينات والمسدسات، وتعرف هذه الزخارف باسم "دقماق".

  • المدخل الثاني: مدخل معقود الشكل يؤدي مباشرة إلى سلم المنزل، وتزينه كذلك زخارف جصية دقيقة على هيئة نجوم سداسية ذات فروع، مما يضفي عليه لمسة فنية راقية تعكس جماليات العمارة الإسلامية.


الطوابق العليا وتوزيع الفراغات المعمارية

تقوم واجهة الطوابق العليا على امتداد القطاع الشمالي، حيث يحتوي الطابق الأول على نافذتين وثلاثة مناور تتيح دخول الضوء والهواء إلى الداخل، ويتكرر نفس التوزيع في الطابقين الثاني والثالث بشكل متناغم ومتناسق.
هذا التكرار في توزيع الفتحات والنوافذ لا يعد مجرد عنصر زخرفي، بل يعكس فكرًا معمارياً متقدماً يهدف إلى توفير التهوية الطبيعية والخصوصية في آن واحد.


المدخل الداخلي والدركاة

عند الدخول من المدخل الأول، يجد الزائر نفسه في دركاة ذات أقبية متقاطعة ومخوصة، وهو تصميم يعكس عبقرية المهندس في توزيع الأحمال المعمارية، ويمنح المكان مظهرًا مهيبًا.
تقود هذه الدركاة إلى المخزن الرئيسي، الذي يتألف من ممر طويل ينتهي غربًا بفناء مكشوف، ومنه يمكن الوصول إلى عدد من الحجرات التي كانت تُستخدم لأغراض متعددة، منها التخزين والخدمات اليومية.


القاعة المركزية وروعة التفاصيل الداخلية

كل طابق من الطوابق العليا يحتوي على قاعة مركزية فسيحة تعتبر القلب النابض للمنزل.
في الطابق الأول، تحيط بهذه القاعة حجرة رئيسية ملحق بها خزانة خشبية فريدة التصميم تقع في القطاع الأول، بينما يضم القطاع الثالث حجرتين إضافيتين ومرحاضًا.
أما في الطابق الثاني، فيتوسط سقف القاعة فتحة مستطيلة تُستخدم لإدخال الضوء الطبيعي والهواء، في حين يحتوي الطابق الثالث على حضير مكشوف، أي فناء علوي مفتوح، يُعد من السمات المميزة للمنازل الرشيدية التي تتناغم مع مناخ المدينة الرطب.


الزخارف والفنون التشكيلية داخل المنزل

الزخارف التي تزين منزل زكي ثابت تعد من أجمل ما أبدع الفن الإسلامي في ذلك العصر.
تتنوع بين الزخارف الجصية والهندسية التي تملأ الجدران والسقوف، إلى جانب الأبواب والشبابيك المشغولة بالخشب الخرط.
وتظهر التأثيرات العثمانية والمملوكية واضحة في النقوش والزخارف، خاصة تلك التي تعتمد على النجوم السداسية والدوائر المتداخلة، التي ترمز إلى التوازن والكمال في الفنون الإسلامية.


القيمة التاريخية والأثرية للمنزل

يُعد هذا المنزل أكثر من مجرد بناء أثري؛ فهو شاهد على تطور العمارة المصرية خلال الحكم العثماني، ويمثل نموذجًا لتكامل الفن والحرفية مع الوظيفة السكنية.
كما أن الحفاظ عليه اليوم يعكس اهتمام الدولة المصرية بالتراث، إذ يُعتبر جزءًا من الهوية الثقافية لمدينة رشيد، تلك المدينة التي خرجت منها العديد من التحف المعمارية مثل منزل الأمصيلي، ومنزل عربي، وبيت الميزوني.


أهمية توثيق وتصوير منزل زكي ثابت

قام الفنان سيد غريب بتوثيق هذا المعلم الأثري بعدسته، مقدماً مجموعة فنية من الصور التي تُبرز التفاصيل الدقيقة للمنزل من الداخل والخارج.
لقد ساهم هذا التوثيق في نشر الوعي الثقافي والمعماري حول قيمة هذا الأثر، وساعد في جذب اهتمام الباحثين والمهتمين بمجال الترميم والحفاظ على التراث.
ويُعد هذا الجهد الفني خطوة مهمة في سبيل إحياء ذاكرة مدينة رشيد وتوثيق كنوزها المعمارية للأجيال القادمة.


الهوية المعمارية لمدينة رشيد

تتميز رشيد بأنها من المدن المصرية القليلة التي حافظت على ملامحها التاريخية حتى اليوم.
تجمع بيوتها القديمة بين الطابع العربي والإسلامي والعثماني، وتمثل نموذجًا فريدًا في استخدام مواد البناء المحلية مثل الطوب والرخام والخشب المزخرف.
وتمتاز منازلها، ومنها منزل زكي ثابت، بوجود المشربيات الخشبية والنقوش الدقيقة التي تُظهر إبداع الصانع المصري الذي استطاع أن يحول الحجر والخشب إلى لوحات فنية تنطق بالجمال والأصالة.


منزل زكي ثابت... ذاكرة مدينة رشيد الحية

يبقى منزل زكي ثابت بمدينة رشيد شاهدًا خالدًا على عبقرية العمارة الإسلامية وروعة الإبداع المصري في أوج تألقه.
فهو ليس مجرد منزل أثري، بل مرآة تعكس هوية مدينة رشيد التاريخية التي جمعت بين العراقة والجمال، وتستحق أن تكون مقصدًا لكل محبي التراث والحضارة المصرية.



تعليقات