أحد أبواب قبة السلطان الكامل المعروفة بقبة الإمام الشافعي – القاهرة

أحد أبواب قبة السلطان الكامل المعروفة بقبة الإمام الشافعي – القاهرة
تُعد قبة الإمام الشافعي في القاهرة من أعظم المعالم الإسلامية التي تحمل بين جدرانها عبق التاريخ الإسلامي وفنون العمارة الإسلامية في أبهى صورها. يُنسب بناء هذه القبة إلى الملك الكامل محمد بن العادل الأيوبي، الذي شيّدها عام 608 هـ / 1211 م لتكون ضريحًا لوالدته التي تُوفيت في نفس العام. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت القبة معلمًا معماريًا وروحانيًا يجمع بين الطابع الأيوبي والمملوكي والعثماني، نتيجة التجديدات المتعاقبة التي شهدتها على مر القرون.
النشأة التاريخية لقبة الإمام الشافعي
عند وفاة والدة الملك الكامل عام 1211م، أمر ابنها بإنشاء ضريح فخم يليق بمكانتها، فكانت القبة التي نعرفها اليوم. إلا أن الضريح لم يقتصر على والدته، بل أصبح لاحقًا مثوى للإمام الشافعي، أحد أعلام الفقه الإسلامي وأحد الأئمة الأربعة.
مع مرور الزمن، لم يبقَ الضريح على حاله الأول؛ إذ قام السلطان القايتباي عام 885 هـ / 1480 م بتجديد القبة الخشبية، وأضاف إليها مقرنصات وزخارف رخامية فريدة. كما جدده السلطان قانصوه الغوري في مطلع القرن السادس عشر، ليحافظ على بهائه. وفي عام 1186 هـ / 1772 م، قام الوالي علي بك الكبير بتجديد القبة من الداخل، مضيفًا نقوشًا ملونة وزخارف تزين جدران الضريح.
الوصف المعماري للقبة والضريح
أبعاد البناء
يشغل الضريح مساحة مربعة تبلغ أضلاعها 15 مترًا، بسمك جدران يصل إلى 2.75 متر، ويرتفع البناء لنحو 20 مترًا فوق سطح الأرض. بني الجزء السفلي من الحجر المنحوت، بينما شُيّد الجزء العلوي من الطوب، مما منح البناء صلابة ومتانة عبر الزمن.
المحاريب الداخلية
يضم الجدار الجنوبي للضريح ثلاثة محاريب، أكبرها المحراب الأوسط، المُزيّن بإطارات من الرخام الملون، تعلوه نقوش خشبية بديعة. أضاف السلطان قايتباي محرابًا رابعًا في الركن الشرقي لتصحيح اتجاه القبلة، وهو ما يبرز الدقة المعمارية التي تميزت بها أعمال التجديد في ذلك العصر.
القبة الخشبية
تُعتبر القبة الخشبية التي تعلو الضريح واحدة من أروع القباب في مصر. ترتفع القبة لنحو 27 مترًا عن أرضية الضريح، وتقوم على ثلاثة صفوف من المقرنصات الخشبية التي تشكل منطقة انتقالية بارعة من المربع إلى الدائرة.
القبة مكونة من طبقتين: داخلية من الخشب، وخارجية من الرصاص، وهو الطراز الذي أرساه السلطان قايتباي في تجديداته. أما المقرنصات الخشبية فهي مزخرفة بكتابات بخط النسخ، ويفصل بينها نوافذ جصية معشقة بالزجاج الملون، تضفي ألوانًا زاهية عند مرور الضوء.
التفاصيل الفنية والزخرفية
القبة ليست مجرد بناء حجري، بل تحفة فنية تزينها عناصر معمارية وزخارف دقيقة:
-
زخارف نباتية وهندسية محفورة على الخشب والرخام.
-
خطوط كتابية بالخط النسخي تزين المقرنصات.
-
زجاج ملون معشق بالجص يضفي إضاءة داخلية روحية.
-
نقوش ملونة أضافها علي بك الكبير عام 1772م، لا تزال بقاياها ماثلة حتى اليوم.
كما يحتوي الضريح على تابوتين رئيسيين: أحدهما للإمام الشافعي، والآخر لوالدة الملك الكامل. ويُعتبر التابوت الخشبي المنقوش الذي يغطي قبر الإمام من أروع النماذج الفنية في مصر الإسلامية.
الواجهات الخارجية للقبة
الطابق السفلي
يضم أربع واجهات، تحتوي كل منها على نافذة يتوجها عقد نصف دائري، وعلى جانبي كل نافذة توجد كوّات معقودة.
الطابق الأوسط
يتراجع هذا الطابق بمقدار 70 سم إلى الداخل عن الطابق السفلي، وتزينه صفوف من الحنيات على هيئة محاريب مشعة، شبيهة بزخارف جامع الأقمر ومدرسة نجم الدين أيوب.
الطابق العلوي (القبة)
تتربع القبة في أعلى البناء، ويعلوها قارب نحاسي صغير مثبت مكان الهلال. وقد ثار الجدل حول وظيفته، فبينما يرى البعض أنه رمز لعلم الإمام الشافعي الذي اعتُبر بحرًا في علوم الدين، يعتقد آخرون أنه كان يوضع لتقديم الحبوب والماء للحمام.
الأهمية الدينية والعلمية
تُعد قبة الإمام الشافعي مكانًا روحانيًا يقصده الزوار من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، إذ يضم جسد أحد أعلام الفقه الأربعة وصاحب المذهب الشافعي، الذي ترك أثرًا عميقًا في الفقه الإسلامي.
كما يُعد الضريح شاهدًا على تطور العمارة الإسلامية في مصر عبر العصور: من الأيوبي إلى المملوكي ثم العثماني. وهو ما يجعله مقصدًا للباحثين والمهتمين بتاريخ الفنون الإسلامية.
إن قبة الإمام الشافعي في القاهرة ليست مجرد ضريح، بل هي متحف معماري وفني يروي قصة قرون من الإبداع الإسلامي المتواصل. بدءًا من الملك الكامل الأيوبي، مرورًا بتجديدات السلاطين المماليك، وصولًا إلى اللمسات العثمانية، تقف القبة شامخةً كأحد أعظم رموز القاهرة التاريخية والإسلامية.
تعليقات
إرسال تعليق