مقبرة خرو أف (TT192) بالعساسيف – تحفة أثرية غير مكتملة في الأقصر

مقبرة خرو أف (TT192) بالعساسيف – تحفة أثرية غير مكتملة في الأقصر
تُعد مقبرة خرو أف (TT192)، الواقعة ضمن منطقة العساسيف في البر الغربي لمدينة الأقصر، واحدة من أبرز المقابر الملكية والنبلاء من عصر الأسرة الثامنة عشرة، على الرغم من أنها لم تكتمل. بُنيت حوالي 1380 قبل الميلاد، في أواخر حكم الملك أمنحتب الثالث وبداية عهد ابنه أخناتون، وتُجسّد المقبرة مزيجًا فنيًا وتاريخيًا فريدًا يعكس مرحلة انتقالية مهمة في الحضارة المصرية القديمة.
موقع المقبرة
تقع مقبرة خرو أف في منطقة العساسيف ضمن جبانة طيبة العريقة، على الضفة الغربية من نهر النيل. هذا الموقع يضم مقابر النبلاء وكبار رجال الدولة الذين خدموا الفراعنة، وهو قريب من الطريق المؤدي إلى معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري.
اكتشاف المقبرة وخلفيتها التاريخية
اكتُشفت مقبرة خرو أف عام 1885م بواسطة عالم المصريات الألماني أدولف إرمان. صاحب المقبرة كان يُعرف عند الميلاد باسم سناي أو ناي، ثم لُقّب بـ خرو أف.
-
مناصب وألقاب: حمل خرو أف العديد من الألقاب المرموقة مثل: الكاتب الملكي، المُعلن الملكي، حاجب الملك، الخادم المخلص، والمشرف على شؤون الملكة تي.
-
أسرته: كان والده يُدعى سيكيد (نبكيد)، وكان يشغل منصب كاتب الجيش الأرضي، أما والدته رويو فكانت مغنية وكاهنة مرتلة للإلهتين إيزيس وآمون. كما ورد ذكر سيدة أخرى يُحتمل أن تكون شقيقته، تُدعى هينوت نفرِت.
كان خرو أف مقرّبًا من الملكة تي، الزوجة الملكية العظمى لأمنحتب الثالث، وهو ما يفسر أهميته ومكانته الكبيرة في البلاط الملكي.
تاريخ المقبرة
بدأ العمل في المقبرة خلال السنوات الأخيرة من حكم أمنحتب الثالث، إلا أن النقوش لم تكتمل بسبب وفاة الملك والتغيرات السياسية والدينية التي صاحبت عهد أخناتون. لذا، تجمع المقبرة بين النقوش التقليدية الخاصة بأمنحتب الثالث وبعض الملامح المبكرة لعصر العمارنة.
التصميم المعماري للمقبرة
المدخل والممر
يبدأ تصميم المقبرة بممر منحدر يقود الزائر إلى الأعماق، يرمز إلى الرحلة نحو العالم الآخر.
قاعة الأعمدة (39 عمودًا)
تضم المقبرة قاعة ضخمة تحتوي على 39 عمودًا مصطفة على الجانبين الشرقي والغربي، ما يدل على فخامة التصميم وحجم المشروع الجنائزي الكبير الذي لم يكتمل.
الفناء المفتوح
قبل القاعة الرئيسية، يوجد فناء مفتوح يُعتبر علامة مميزة لمقابر النبلاء في عصر الأسرة الثامنة عشرة، وكان بمثابة نقطة تجمع لإقامة الطقوس والاحتفالات.
القاعة الرئيسية والجنائزية
يمتد المحور الداخلي للمقبرة باتجاه شمالي–جنوبي، حيث توجد قاعة رئيسية يتبعها قاعة أخرى تحتوي على أعمدة حجرية. من المرجح أن هذه القاعة كانت تُستخدم لإقامة الطقوس الجنائزية.
حجرة الدفن
في الجزء السفلي، توجد حجرة محفورة في الصخر خُصصت لدفن المومياء وصندوق التابوت.
النقوش والزخارف داخل المقبرة
احتفالات اليوبيل (حب سيد) للملك أمنحتب الثالث
من أبرز مناظر المقبرة نقوش الاحتفالات الملكية التي تُظهر مراسم اليوبيل الأول والثاني للملك أمنحتب الثالث. هذه الاحتفالات كانت تهدف إلى تجديد شباب الملك وإعلان قوته الإلهية.
صور الملكة تي وأخناتون
على جدران المدخل، يظهر نقش بارز يجمع بين الملك أخناتون (أمنحتب الرابع) والملكة تي، بالإضافة إلى مجموعة من الآلهة المصرية القديمة. كما نُقشت خراطيش ملكية للملكة تي، ما يعكس نفوذها السياسي والديني.
مشاهد الرقص والموسيقى
تُصوّر النقوش داخل القاعة نساءً يُصفقن ويغنين ويعزفن على آلات موسيقية، وأشخاصًا يرتدون أقنعة على شكل رؤوس أسود، في إشارة إلى الإلهة سخمت. هذه المشاهد تعكس أهمية الموسيقى والرقص في الطقوس المصرية القديمة.
الأسرى الأجانب
نقش آخر يُظهر فتيات ليبيات يحملن أواني، وقد أشارت النصوص إلى أنهن بنات قادة أجانب أُسروا وتمت تربيتهم داخل البلاط المصري، ما يرمز إلى قوة مصر ونفوذها.
المهرجانات الرياضية
مناظر أخرى توضح الألعاب الرياضية والأنشطة الترفيهية التي كانت تقام في احتفالات البلاط الملكي.
الأهمية التاريخية والثقافية للمقبرة
تُعتبر مقبرة خرو أف سجلًا حيًا يوثق:
-
احتفالات البلاط الملكي في عهد أمنحتب الثالث.
-
الانتقال السياسي والديني إلى عهد أخناتون.
-
تطور الفن المصري من الطابع التقليدي إلى الأسلوب العمَرني.
-
أهمية الموسيقى والرقص والرياضة في الحياة الدينية والاجتماعية بمصر القديمة.
الحفاظ والدراسات الحديثة
رغم أن المقبرة لم تُستكمل وتعرضت بعض نقوشها للتلف، إلا أنها لا تزال مصدرًا أثريًا مهمًا لفهم حضارة مصر القديمة. وقد أظهرت الأبحاث العلمية الحديثة، منها تقرير عام 2022م، تفاصيل جديدة عن محتويات المقبرة وأسلوب بنائها وزخارفها.
إن مقبرة خرو أف (TT192) في العساسيف ليست مجرد موقع دفن، بل هي شاهد تاريخي فريد على عظمة الأسرة الثامنة عشرة وعلى التحولات السياسية والفنية في تلك الحقبة. النقوش والاحتفالات الملكية المصورة على جدرانها تُعد وثائق بصرية لا تُقدر بثمن، وتجعلها من أهم مقابر النبلاء في طيبة الغربية.
تعليقات
إرسال تعليق